الخميس
2024/04/18
آخر تحديث
الخميس 18 أبريل 2024

تداعيات الأزمة الروسية الأوكرانية على موريتانيا

2 مارس 2022 الساعة 14 و46 دقيقة
تداعيات الأزمة الروسية الأوكرانية على موريتانيا
طباعة

باجتياحه الأراضي الأوكراينية، أربك القرار الروسي المجتمع الأممي ووضع أغلب بلدانه في موقع حرج. وقد أعاد التوتر القائم بين الغرب وروسيا على خلفية الأزمة الأوكراينية أجواء الحرب الباردة إلى أذهان جيل الستينيات والسبعينيات، إذ كانت الأجواء مشحونة بشكل مستمر بين الاتحاد السوفياتي السابق وبلدان حلف الناتو. وخلال تلك الفترة انقسمت البلدان العربية ومن ضمنها المغاربية بين محور موسكو ومحور واشنطن. فأين سينتهي مسلسل الاصطفاف بالبلدان المغاربية إزاء هذه الأزمة؟

اعترف الرئيس الروسي فلاديمير بوتين باستقلال منطقتي دونيتسك ولوهانسك عن كييف، ونشر جيشه في الإقليمين، ثم اجتاح بقواته العسكرية الأراضي الأوكراينية. حدث كل ذلك بما يشبه الاحتيال والتحايل على العالم. الرئيس الوحيد الذي سارع إلى دعمه هو الرئيس السوري بشار الأسد، وهو أمر غير مفاجئ.

على المستوى المغاربي طلت علاقة البلدان المغاربية الروسية تتسم بالود، ولاسيما الجزائر التي كانت روسيا حليفها وموردها في التسلح. التغلغل الروسي في الصراع الليبي كان منذ الانفلات الأمني الذي ترتب عن ثورة 2011، سواء عبر تسليح "الجيش الوطني" الذي يقوده المشير خليفة حفتر، أو عبر منظمة "فاغنر" الأمنية.

تونس والمغرب في أول تعليق لهما عن موقفهما من النزاع: دعوة إلى الحوار

دعت تونس جميع الأطراف المعنية بالحرب الروسية الأوكراينية إلى العمل على تسوية أي نزاع بالطرق السلمية. وقال بيان لوزارة الخارجية، إن تونس تتابع بانشغال التطور السريع للأحداث في أوكراينا وارتفاع حدة التوتر في المنطقة. وأهابت تونس بالمجموعة الأممية لبذل قصارى الجهد لتشجيع جميع الأطراف على المفاوضات والدفع نحو التوصل إلى تسوية عاجلة لهذه الأزمة بما يمكن من حفظ أرواح المدنيين الأبرياء واستعادة الأمن والاستقرار في المنطقة.

أما المملكة المغربية، قالت: أنها تتابع بقلق تطورات الوضع بين فيدرالية روسيا وأوكراينا، وذلك في وقت أصدر فيه الجيش الروسي أوامر بتوسيع هجومه على الأراضي الأوكراينية، مؤكدا أن كييف رفضت إجراء مفاوضات.

وأعلنت الرباط موقفها من الأزمة، حيث جاء في بيان لوزارة الشؤون الخارجية والتعاون المغربية، يوم السبت، أن “المملكة المغربية تجدد دعمها للوحدة الترابية والوطنية لجميع الدول الأعضاء في الأمم المتحدة.

وأكد ذات المصدر، على تشبث المملكة “بمبدأ عدم اللجوء إلى القوة لتسوية النزاعات بين الدول”، مضيفا أن الرباط تشجع جميع المبادرات والإجراءات التي تسهم في تعزيز التسوية السلمية للنزاعات.

تداعيات الأزمة على موريتانيا

الغزو الروسي لأوكراينا ستصل تداعياته كل البلدان المغاربية بما في ذلك موريتانيا، وفق مراقبين. وبسبب هذه الحرب، العالم كله سيشهد أزمة كبيرة في امدادات القمح، بحكم أن روسيا وأوكراينا أكبر البلدان المصدرة للقمح عالميا.

وتعتمد موريتانيا بشكل رئيسي على القمح في غذائها، وتربية المواشي، فهو حاضر بكل قوة في حياة المواطن الموريتاني، إذ يتأثر بارتفاع أسعاره، فقد أدى ارتفاع سعر الخبز منتصف التسعينيات من القرن الماضي إلى احتجاجات هزت البلاد.

وتستورد موريتانيا سنويا قرابة 340 ألف طن سنويا من القمح، وهي الكمية التي تعتبرها منظمة الأغذية الزراعية (الفاو) غير كافية لسد حاجيات البلاد من هذه المادة، فقد أشارت إلى أن حاجيات موريتانيا من القمح لسنة 2020-2021 بلغت 580 ألف طن من القمح، وفق بيانات نشرتها على موقعها الإلكتروني.

ويتوقع البنك الدولي أن تشهد دول عربية من بينها موريتانيا العديد من المخاطر التي تهدد الأمن الغذائي، وبحسب البنك الدولي فإن أحد هذه المخاطر تتمثل في الأسعار الدولية للقمح، مشيرا إلى أنها “ستكون مرتفعة للغاية”.

هل ستكون الأزمة فرجا على ليبيا؟

احتياطي الغاز في ليبيا جعلها في دائرة الضوء بقوة، باعتبارها أحد مزودي القارة الأوروبية بالغاز بعد روسيا والنرويج والجزائر، إذ تمتلك ليبيا مخزونات كبيرة من الغاز باحتياطي وصل إلى 54.6 تريليون قدم مكعب، وهو ما وضعها في المرتبة 21 عالميا في الاحتياطات، مع إمكان زيادتها باكتشافات جديدة.

وتداولت عدة مصادر دخول الغاز الليبي في قائمة مصادر الطاقة المحتمل تصديرها إلى أوروبا بديلا عن الغاز الروسي في حال اندلاع حرب في أوكراينا، بعدما كثفت شركات عالمية كبرى مشاوراتها مع المؤسسة الوطنية للنفط بشأن زيادة الإمدادات للسوق الأوروبية.

وتواصلت واشنطن مع جهات ليبية لهذا الغرض، لكن الوضع السياسي المضطرب وغياب ميزانية لصيانة الآبار المتهالكة والاعتماد المفرط على البترول قد يضيع على ليبيا لعب هذا الدور في المدى القصير.

الجزائر ولحظة الامتحان العسير: هل الصمت هو الخيار الأفضل؟

في الوقت الذي تتصاعد فيه المخاوف من اندلاع أزمة طاقة في أوروبا بسبب الغزو الروسي لأوكراينا، قد تكون الجزائر بديلا مناسبا لتوفير الغاز لأوروبا، بحسب تقرير وكالة بلومبيرغ. وتستطيع الجزائر، المُوَرِّد الرئيسي للغاز إلى إيطاليا وإسبانيا وأكبر مصدر للطاقة للاتحاد الأوروبي بعد روسيا والنرويج، أن توفر حلا لهذه الأزمة، بحسب الوكالة.

وأكدت الوكالة أن هذه الخطوة ستؤدي إلى زيادة خزائن الجزائر وتمنحها نفوذًا دبلوماسيًا في أوروبا، لكنها قد تؤدي أيضا إلى اضطراب العلاقات المتنامية مع روسيا.

وحسب المجموعة الجزائرية للنفط والغاز (سوناطراك)، كشفت منابر إعلامية عن استعداد سوناطراك لتزويد أوروبا بكميات إضافية من الغاز في حال تقلصت الصادرات الروسية بسبب الحرب في أوكراينا. لكن ذلك لن يكون إلا مشروطا في إطار عقود واضحة ومتفق عليها. وهناك من اعتبر هذا التصريح رسالة طمأنة إلى محور الغرب، بينما اعتبرت جهات أخرى أن ليبرتي تلاعبت بمحتوى الحوار وقد أثار هذا الحوار جدلا واسعا اضطر الشركة النفطية إلى مقاضاة الجريدة بتهمة أن الحوار الذي أجرته مع الرئيس المدير العام “من وحي الجريدة ولا يتناسب مع محتوى الحوار”.

وكشفت وسائل إعلام إيطالية أن وزير الخارجية الإيطالي لويجي دي ما يو سيطير إلى الجزائر لإجراء محادثات مهمة في ظل المتغيرات التي فرضتها الحرب الروسية الأوكراينية، وأنه سيكون مرفوقا يوم الإثنين برئيس مجموعة “إيني” لبحث التعاون في مجال الطاقة في ظل الحرب الروسية الأوكرانية.

ورغم أن بيان رئاسة الجمهورية الجزائرية لم يكشف عن أجندة اللقاء، إلا أن اللافت هو الوفد الذي كان حاضرا في مراسم لقاء تبون مع دي مايو، ويتعلق الأمر بوزير الطاقة والمناجم الجزائري محمد عرقاب، والرئيس المدير العام لعملاق النفط الجزائري، توفيق حكار، بالإضافة إلى وزير الخارجية. وهو ما أعطى دلالة، وفق مراقبين، أن زيارة وزير الخارجية الإيطالي المفاجئة هدفها "البحث عن منفذ إنقاذي من الجزائر لاحتمال توقف صادرات الغاز الروسية نحو أوروبا". وجاءت زيارة لويجي دي مايو بعد يوم واحد فقط من التطمينات التي أطقتها شركة "سوناطراك" حول قيامها بدور"الممون الموثوق في الأزمات" لأوروبا بالغاز الطبيعي.

وأصبحت الجزائر تلعب دورا هاما في الساحة الدولية مؤخرا، بعد أن أصبحت تؤدي دورا بارزا في عدد من الملفات الإقليمية على غرار الأزمة الليبية والقضية الفلسطينية وسد النهضة وغيرها. ونقل منبر إعلامي جزائري "أوراس" أن مركزا متخصصا في الشؤون الأفريقية يدعى “ناركو أناليزيس”، نشر تقريرا، يتحدّث فيه عن إمكانية وجود وساطة جزائرية لحلّ أزمتي مالي وأوكراينا. ووصف التقرير، الجزائر، بالمرشّح الجذاب من عدّة جوانب، للتخفيف من الآثار السلبية للأزمتين.

وإلى حد كتابة هذه السطور، لم يصدر أي موقف رسمي من الدولة الجزائرية عن الاجتياح الروسي لأوكراينا. ويرى مراقبون أن الجزائر تجد نفسها في موقف حرج، ولن تبقى ملتزمة الصمت وستجد نفسها مجبرة على التعبير عن موقفها في القادم من الأيام. ورأوا أنه من غير المنطقي أن تقف الجزائر ضد روسيا حليفها التقليدي ومُزوّدها الرئيسي بأدوات الحرب، لكن من التهور أن تقف ضد الغرب.

بلدان عديدة سيطول صمتها الرسمي؟ وستسهو عن الرد في غمرة متابعتها لهذا المسلسل الدرامي المليء بمشاهد التشويق والإثارة؟ ومن حق الجزائر، وهذا هو الراجح، أن تلتزم الصمت، ولها ما يبرر صمتها لدى الطرف الروسي كما لدى الطرف الأوكرايني.