الخميس
2024/05/16
آخر تحديث
الخميس 16 مايو 2024

الحلقة الثانية- موريتانيا في أحضان 4 أزمات فهل سيأتي اختيار ولد بلال ثانية وحكومته نصف الجديدة بالحل؟!

3 أبريل 2022 الساعة 18 و12 دقيقة
الحلقة الثانية- موريتانيا في أحضان 4 أزمات فهل سيأتي (…)
طباعة

الحلقة الثانية - لم تكد الدولة تطلق زفراتها عقب هذه الأزمات حتى واجهتها أزمتان أشد وطأة وأثقل قيلا ؛ الأزمة الثالة والرابعة أو الجيل الثاني من الأزمات : أزمة مالي وأزمة أوكرانيا. الأولى محلية والثانية دولية. تتعلق الأولى بمصير أكثر من ثلث سكان الوطن وبحدود تصل 2400 كلمتر وبدولة شهدت تقلبات متسارعة وآخرها وأخطرها أن صارت منطقة لمسرح صراع الأقوياء . إن الشعب الموريتاني شعب بدوي لا يعرف الحدود. والدولة المالية تتبنى قرارات تاريخية: "التخلي عن الحماية الفرنسية " و تواجه خطرين ، خطر مجابهة فرنسا واستبدالها بفاعل غريب وهو في الأخير "عدو" لفرنسا ، وخطر الحركات المتطرفة التي تزاوجت وتساوقت لتعطي نمطا واحدا من القسوة. وهكذا تمر مالي بتصنيفات غير دقيقة للأعداء داخل حدودها وقد التبس عليها الأمر ، مما يرتب على الموريتانيين ضرورة فهم الأسباب الحقيقة لوجودهم في مالي والوقوف عندها وهو الأمر الذي يترتب على الدولة تعبئتهم حوله ،يجب أن يفهم الموريتانيين أن وجودهم في مالي من أجل تربية المواشي والقيام ببعض الأنشطة التجارية وأنهم هدف للصراعات المحلية والعرقية هناك ، وقد يخضعون لتصفية الحسابات في تلك الصراعات..و بصفة عامة فقد تعرضوا لأعمال شنيعة ليست من أخلاق جيش نظامي : الحرق وإعدام العزّل مهما كانت الدوافع. لكن وجود الفرنسيين والروس على نفس الصعيد حيث يسعى كل واحد منهم لتصفية الآخر لن تصاحبه دروس عن الأخلاق ولا عن الحفاظ على مصلحة دول الجوار بل لا بد من تعقيد الوضعية لمصلحة اختيار طرف محدد في معركة "احتلال مالي "..
هذه الوضعية تضع الدولة الموريتانية أمام خيارين: في وضع التصعيد وخيارين في وضع السلم. أما وضع التصعيد فإما الحرب : الكل يعرف أنها لا توجد أي مبررات لها وليست واردة على الإطلاق. أو خيار قطع العلاقات وهنا سيكون المتضرر هو المواطنون بصفة مباشرة وليست الدولة. فسيتم طرد أكثر من خمس ملايين رأس تقريبا من الماشية ترعى 8 أشهر من السنة من المراعي في الأراضي المالية ولا بديل لها عنها. أي أن جلبها للبلد يساوي جلبها للهلاك ، وطرد مئات الآلاف من البشر ووقف الطريق بالنسبة لمرور الموريتانيين والبضاعة إلى ساحل العاج والغابون وغيرها، وسيتم وقف المواد الإستهلاكية مثل الدخن والذرة ، وكثير من مصلحات الطعام التي تقوم مقام اللحم للبعض.. لايهمني تضرر مالي كدولة بقدرما يهمنا تضرر المواطنين .
أما في وضعية السلم فللدولة خياران :- الخيار الأول دعم بنية المخابرات عندها حتى تصبح قادرة على تصور السيناريوهات المستقبلية والحفاظ على مواطنيها خارج التجاذب لكي لا يقع بعضهم ضحية لهذه التجاذبات و في الأخير لهذه الأعمال الشنيعة.. وهكذا لن يكون في مقدور الدولة سوى تنشيط وجودها عبر مراكز جمع المعلومات والاستشراف وتقوية التنسيق مع مالي ومراقبة خطوات الجيش المالي في المنطقة التي تنتشر فيها المواشي و يتواجد فيها المواطنون الموريتانيون ، و من ذلك خلق دوريات مشتركة على الحدود وداخل الحدود المالية؛ والخيار الثاني هو تقوية إدارة المناطق الحدودية وتفعيل دور المشايخ والوسطاء العرفيين في تولي تسيير شؤون المواطنين في أرض مالي وفق توجيهات الدولة وتنسيقها مع الحكومة المالية أو خلق مزيج من الخيارين .
أما الأزمة الرابعة أو الثانية من الجيل الثاني فهي الأزمة الدولية المتعلقة بالحرب على اوكرانيا، حيث شهد العالم بصعود وندرة 4 مواد غاية في الأهمية بالنسبة للحياة وللمعاش بالنسبة للمواطن الموريتاني وهي مواد الطاقة: النفط والغاز، حيث تصدر روسيا 12% من نفط العام و17% من الغاز و ما يشكل ذلك من تأثير على الإمدادات وأسعار المحروقات.. لكن المنطقة التي تقع فيها الحرب هي المنطقة التي تستورد موريتانيا منها مادتين رئيسيتين في صناعة القوت اليومي للمواطن الموريتاني هما: مادتي القمح والأسمدة ومادة الزيت التي تصدر من هناك بكمية كبيرة إلى الخارج قد يؤثر نقصها إلى الضغط على السوق العالمي أيضا .. وهكذا يتعين على موريتانيا أن تخرج من نفق الأزمة الغذائية كلما وقعت أزمة صغيرة مثل غلق معبر الگرگرات الذي يربطنا بالمغرب حيث يقفز سعر الخضروات للسماك الأعزل ،أو عند حدوث اي حرب مثل تلك الدائرةًحاليا بين روسيا وأكرانيا لتجد موريتانيا نفسها في ضيق . صحيح أن مشكل الأمن الغذائي من مشاكل ولادة الدولة ولم يتم للأسف التفكير فيها بشكل استراتيجي، فلقد أصبحت مادة القمح التي دخلت إلى الغذاء الموريتاني سنة الجفاف الأولى 1968، رئيسة في السلسة الغذائية اليومية للمواطن ،وقد أوضحت تجارب محلية في زراعة القمح ذات أهمية حيث أثبتت التربة الموريتانية مردودية كبيرة في زراعة هذه المادة ومع ذلك لم يتم توسيع تلك التجربة.. وهكذا أصبحت موريتانيا تنتظر وهي تحت رحمة الأحداث الدائرة حاليا في منطقة روسيا التي يصعب التكهن بنهايتها و لا بحدود تداعياتها لأنها حرب استراتيجية تحمل في ثناياها ثورة على النظام العالمي الجديد خاصة على أسباب سيطرة وتغوّل الولايات المتحدة على العالم أي أنها حرب تتمحور حول رفض الهيمنة خاصة الاقتصادية (اسويفت،والدولار ،والمؤسسات الدولية ….). روسيا ليست سوى واجهة لمخاض كبير يضم أجنة عملاقة مثل الصين والهند والأرجنتين وتركيا وجنوب إفريقيا وإيران تتفاعل وتكبر في رحم رفض النظام العالمي الجديد. إنه قطب يدور حول النكبات التي يواجهها تقدمه وحصوله على الأسواق ،الولايات المتحدة تمد أوكرانيا بالسلاح لأجل إطالة أمد الحرب وتمدها بالدعاية لكي تقوض الأهداف الحقيقية والموضوعية عند بوتن "هذا الرجل الذي تسيره عظمة التاريخ وعضالاته العسكرية في حين تحاول الولايات المتحدة حشره في زاوية سحيقة من النظام العالمي ،إنه نفس الشعور الذي يحمله بقية الزعماء من أمثال الرئيس الصيني والتركي وغيرهما خاصة بالنظر إلى التاريخ حيث كانت الولايات المتحدة جزء من العدم أثناء تصديرها الثقافة والعلم والتقدم للعالم .
إن على موريتانيا أن تضع بالحسبان تغيرات هيكلية في العالم سوف تتأثر فقط بجانبها السلبي لبعض الوقت ولهذا يتعين عليها دراسة التحول نحو الزراعة وتحويل قطاع الصيد إلى قطاع وطني للأمن الغذائي وتوظيف اليد العاملة الوطنية، وليس قطاعا أجنبيا يستنزف عبر القانون الوطني بواسطة سماسرة ومراقبين في السياسية خيرات البلد. كما يتعين عليها تامين حاجتها من المحروقات لمدة 6أشهر على أقل تقدير ، فمع الوقت اتضح أن مشكلة المحروقات مرتبطة أساسا بالتخزين حيث لا تملك موريتانيا خزانا استراتيجيا لأكثر من شهر ، وهكذا عند بداية كل شهر يجب جلب 40 ألف متر مكعب من المحروقات وهو ما يزيد من تكلفة الصفقة بسبب النقل ،كما يجعل الدولة في وضع تفاوضي ضعيف باستمرار بسبب قصر النفس بالنسبة لتجنب أزمة المحروقات .
إن على الحكومة الحالية وهذا في سقف قدراتها طبعا أن تضع في أولوياتها حل الأزمة الحقيقة للشعب والدولة الموريتانية المتمثلة في التأمين الغذائي وتوفير حل دائم لقضية المحروقات .
كما على الوزير الأول وهذا بيت القصيد أن يستوعب أن ولد بلال الثاني يجب أن يختلف عن ولد بلال الأول ليس فقط أن يفرض على ديوانه حضور اجتماعاته في الوقت وبصفة منظمة ! بل أن يستوعب حجم تضحية ولد الغزواني لأجل أن يحتفظ به بعدما حكم الراي العام على المسار الحكومي الأول بالفشل . ومن قواعد السياسية أن من قال الراي العام أنه فشل يجب أن يتم التخلص منه حتى لو لم يكن ذلك واقعيا ، فقط لأن الرأي العام هو صاحب الكلمة الفصل ، خاصة أن أن الرئيس نفسه قاد حملة ضد حكومة ولد بلال واصفا أداءها بالمتباطئ وفي مناسبة أخرى معبرا عن بعدها من المواطن ! ومع ذلك رفض غزواني الرضوخ لتلك الضغوط ،وحمّل بعض أعضاء الحكومة المسؤولية . وهكذا و في وجه كل تلك المطالب بتغيير الحكومة احتفظ بولد بلال. فما ذا سيكون في جعبته وهل سيجعله ذلك يتغير إلى ولد بلال الثاني الذي يختلف عن ولد بلال الأول ؟!

محمد محمود ولد بكار