السبت
2024/07/27
آخر تحديث
الجمعة 26 يوليو 2024

إمام الحرمين

6 أبريل 2023 الساعة 22 و22 دقيقة
إمام الحرمين
طباعة

وأنت لا تعرفه لا يكاد يثير عندك أي موقف حينما تصادفه يمشي دون اكتراث بجوانبه، وكأنه يفكر بعمق في أمر ما وأنا على يقين أنك لو سألته بم يفكر لقال لك إنه يردد بعض آيات الذكر الحكيم .إنه رجل نما وترعرع بين ثنايا المصحف، إنه إمام الحرم المكي إنه عبد الرحمن السديس .
لا يمكنني أن أحكي كثيرا عن الرجل خارجا عن المعلومات المتداولة لكن يمكن أن أنقل شعوري بالصلاة مع هذا الرجل..
ليس عبد الرحمن السديس قارئا عاديا للقرءان شجي الصوت حسن المخارج شديد الضبط يحسن المد والقلقة والغنة والإضعام والسكت، ولا رجلا حسن الصوت يسيطر على مخارج الحروف ، إنه أكثر من ذلك رجل يشعرك بالقرءان بحلاوته وطلاوته وحسنه ووضوحه وإعجازه، وكأنه يبعث فيك روحا جديدة خاصة بالحظة باستقبال القرءان رطب الأسلوب سلسة العبارات وهو يتنزل عبر تلاوته ويلج القلوب وينزاح فوق الرؤوس، وكأنه أزيز في القلب يأخذك لأبعد من اللحظة ومن المكان حتى وإن كنت في شهر رمضان أعظم شهر عند الله الذي فيه ليلة القدر، وفي البيت العتيق أطهر بقعة على ظهر الأرض من يوم خلق الله الأرض إلى أن يرثها. إنك عندما تستمع لتلاوة السديس وهو يتماهى في التلاوة وكأن روحه ذابت بين آي القرءان أو هو يصارعها حيث تخالها عادت للحياة وكأنها تريد أن تخرج من بين أضلعه وهو يقاومها، فمرات تنفلت في شكل نحيب يستغرق كبحه بعض الوقت ومرات يسيطر عليها فتخرج زفرات مع مخارج الحروف ومع المد والوصل فتسمعه يجاهد ويجاهد في معركة بين الذات والروح كي يثبّت الحروف في مكانها والقراءة على حالها بقدرة قادر يصعب وصفها، فلا تسمع حينها إلا نحيبا وزفرات من هنا وهناك بين صفوف المصلين وكأن الملائكة أخذت القرءان من فمه وصعدت به للسماء لتعيده مفعما بكامل قدسيته إلى قلوب المصلين في ساعة رهيبة من الخشوع والخضوع للواحد الديان، وفي لحظة أبعد من اللحظة وفي مكان أبعد من المكان . إن الناس حينها وهي تقف في هذا المكان وتستمع للتلاوة أثناء القيّام في شهر رمضان ليسبح بها الموقف في اليقين مستحضرة قدرة الخالق وقدمه وكيف بعث برجل من أوسط الناس في مدينة صغيرة ولم يبعثه من الامبراطوريات الكبرى ويجعله يتفاعل مع الناس ويتعاطى معها ويعيش معها بساطتها ومآسيها ليعم بعد ذلك الدين الحنيف أرجاء المعمورة محققة أمرًا قد قدّر ودعوة على لسان إبراهيم الخليل "وَأَذِّن فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالًا وَعَلَىٰ كُلِّ ضَامِرٍ يَأْتِينَ مِن كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ " ويكون بعدها الحرمين الشريفين غير قادرين على استيعاب ضيوف الرحمن رغم التوسيعات السخية التي يقوم بها آل سعود تناغما مع ذلك الضغط . إنك تقف في لحظة ربانية مع مليوني شخص في لحظة واحدة بقلوب وجلة يتنسمون بركات هذا الشهر وهذا الموقف مع تلاوة القرءان الكريم وفي بيت الله الحرام حيث السكينة والراحة والنسيم العليل والرائحة الزكية وماء زمزم الغدق العذب كل ذلك ليحيط الوقت والمكان بأبهة يتغشاها الخشوع والرهبانية . إنها لحظات إيمانية ومكان وتلاوات لا تمّل نفعنا الله بها ودامها على المسلمين .

من صفحة الاعلامي والمحلل السياسي محمد محمود ولد بكار