الاثنين
2025/10/13
آخر تحديث
الاثنين 13 أكتوبر 2025

التحول من الـ CFA إلى الـ EUCO ثورة أم خدعة لإخماد ثورة؟

26 دجمبر 2019 الساعة 12 و00 دقيقة
التحول من الـ CFA إلى الـ EUCO ثورة أم خدعة لإخماد ثورة؟
طباعة

ملف خاص بصحيفة "العَلَم"

بعد أيم قليلة، في مستهل السنة 2020، ستشهد منطقة غرب إفريقيا حدثا اقتصاديا كبيرا يتعلق بتغيير عملتها القديمة (الـ"سي أف آ") واستبدالها بعملة جديدة تدعى الـ "أيكو". هذا الحدث يهلل له البعض على أنه خروج من ربقة الاستعمار الفرنسي، بينما يرى البعض الآخر أنه مجرد ذر للرماد في أعين المواطنين الذين ملوا التبعية الاقتصادية والنقدية لفرنسا.

إن تغيير عملة غرب إفريقيا يترك المجال مفتوحا لأسئلة عديدة يحاول الاقتصاديون الغرب إفريقيون الإجابة عليها كل حسب فهمه وموقفه وتخوفاته.

في يوم السبت المنصرم أعلن الرئيس الإيفواري، الحسن واتارا، خلال مؤتمر صحفي عقده مع نظيره الفرنسي أيمانييل ماكرون، عن الخطوط العريضة للاتفاقية التي أبرمتها 8 دول غرب إفريقية (البنين، بوركينافاسو، كوت دي افوار، غينيا بيساو، مالي، النيجر، السينغال، توغو) مع الدولة الضامنة سابقا: فرنسا. فيما قال الرئيس الفرسني، أمانييل ماكرون، انه مرتاح لميلاد الـ "أيكو" وأنه "فهم المآخذ" التي تم تداولها منذ سنوات حول لفرنك الغرب إفريقي (سي أف آ).

وفي تغريدة على اتويتر، قال الاقتصادي التوغولي المعروف بمناهضة السي أف آ، كوكو نوبوكبو: "إن الفترة التاريخية التي نعيشها اليوم تمثل صدى لطموحنا والتزامنا بالتغيير. فالانتقال من سي أف آ إلى الأيكو خبر رائع لمستقبل البلدان المعنية".

وحسب ما أعلن عنه كوكو نوبوكيو فإن "ثلاثة أمور ستتغير، فإسم العملة سيصبح أيكو بدلا من سي أف آ الذي يحيل نطقه إلى الفترة الاستعمارية، وسيتوقف وضع نصف احتياطي العملة الغرب إفريقية في البنك المركزي الفرنسي، وسوف يتوقف تعيين باريس لممثلين لفرنسا في هيئات التسيير النقدي لمجموعة دول غرب إفريقيا".

أما الاقتصادي الإيفوراي، مامادو كوليبالي، المترشح للرئاسيات القادمة، فيرى أنه "ثمة غموض كبير في عملية التحول النقدي الجارية". وتساءل الاقتصادي البنيني: "ماذا يستفيد المواطنون الغرب إفريقيون من هذا الإصلاح؟ لا شيء إطلاقا، وإنما يثير النقاش أكثر حول التناوب السياسي". ويقول الاقتصادي دونالدين آمانجبدي: "العملة الموحدة لديها رهاناتها الحقيقية. فلو أن لدينا نفس العملة مع نيجيريا وغانا فذلك سيفيد الدول الصغيرة كالبنين والتوغو، وبما أن بعض الدول الكبيرة ترفض الدخول في عملية العملة الموحدة فذلك يعني أن عملة الدول الصغيرة ستعرف انخفاضا في قيمتها، وبالتالي فالأمر ليس أكثر من مغامرة سياسية غير محسوبة العواقب الاقتصادية".

ويقول الاقتصادي السينغالي فلوين صار: "عملية الانتقال من الـ سي أف آ إلى الـ أيكو تمثل تقدما، لكنها لا تمثل ثورة ولا قطيعة نهائية، لأنها لا تمس إلا الواجهة الرمزية المتمثلة في الاسم بينما يبقى الكثير من مظاهر التعبية القديمة لفرنسا".

وقال الاقتصادي السينغالي اندونغو صمبا سيلا: "لفرنك الغرب إفريقي لم يمت، وإنما تخلى ماكرون وواترا عن بعض جوانبه المثيرة للجدل". ويعتبر السياسي الإيفواري مامادو كوليبالي أنه "لا شيء تغير"، مضيفا: "إن القول بأن الـ سي أف آ مات ليس إلا كلاما سياسيا. فمن أجل تهدئة رجال الأعمال القلقين من صعوبة الوضع المالي في المنطقة، قال رؤساء الدول والرئيس الفرنسي: لا بأس، سنرمي إليهم بشيء، سيتسلون به، وفيما هم يتسلون نواصل نحن سياساتنا النقدية القديمة المرتبطة كليا بفرنسا".

ويقول المحلل جيل أولاكونلي يابي: "إذا كانت تطلعات بعض الرؤساء تقتصر على إعادة تسمية الـ سي أف آ دون جر القوة الديمغرافية والاقتصادية لنيجيريا ودون جر ثاني أقوى دولة غرب إفريقية اقتصاديا أي غانا، فإن الأمر لا يعدو كونه إلهاء للناس". وأردف جيل يقول: "إن تحويل الاحتياطي، من باريس إلى مكان آخر، لا يغير أي شيء ما دام الأيكو سيحافظ على نفس قيمة التحويلات بالنسبة لليورو، وما دامت البنوك المركزية الإفريقية ستواصل نفس السياسات النقدية الساعية إلى محاربة التضخم لصالح اليورو. الأمر إذن مجرد ديمومة نفس النظام النقدي بشكل يوحي بتجديده".

مهما يكن، فقد شهدت السنوات الأخيرة ارتفاع الكثير من الأصوات في منطقة غرب إفريقيا مطالبة بـ"إنهاء العلاقة الاستعمارية بين فرنسا ومستعمراتها القديمة والتي يمثل الـ CFA أكبر تجلياتها" حسب هؤلاء. وقد وصلت الاحتجاجات ضد الهيمنة الفرنسية مستوى التظاهر العلني وتنظيم المسيرات في عواصم بعض دول غرب إفريقيا، بل ذهب البعض إلى مطالبة فرنسا بسحب وجودها العسكري في المنطقة. هذه الظاهرة غير المسبوقة في تاريخ غرب إفريقيا أرغمت الفاعلين في غرب إفريقيا وأصحاب القرار في فرنسا على تلافي تفاقم مثل هذا العداء الخطير على الوجود العسكري والاقتصادي والثقافي الفرنسي في مستعمراتها القديمة. وبالتالي فكروا في "إلغاء" عملة الـ CFA التي هي اقتصار لـ"المستعمرات الفرنسية في غرب إفريقيا" واستبدالها بعملة جديدة، والإعلان عن وقف وضع الاحتياطي الغرب إفريقي في البنك المركزي الفرنسي. وقد بدا الأمر بالنسبة للكثيرين ثورة على الاستعمار ومنعطفا تاريخيا في المنطقة، بينما رأى آخرون أنه مجرد خدعة فرنسية لإخماد الثورة التي بدأت بوادرها تتشكل.