الجمعة
2024/04/19
آخر تحديث
الخميس 18 أبريل 2024

أربعة قرارات هامة جدا خلال اليومين الماضيين

26 يوليو 2022 الساعة 10 و54 دقيقة
أربعة قرارات هامة جدا خلال اليومين الماضيين
طباعة

القرار الأول خاص بالصيد، وهو المتعلق بإعادة تصنيف نمط من الصيد يستخدم في الاستهلاك اليومي للمواطنين كصيد مستقل (إنگط ،أزول أو بونه ،وكربين). صارت هذه العينات صيد مستقل بدلا من وضعيتها السابقة حيث ظلت صيدا عرضيا مهدورا لا تترتب على اصطياده أي قيمة تذكر ولا يمكن توجهيه للسوق المحلي لأنه يأتي بنسبة متفاوتة حسب كل قارب كعينات غير مسهدفة بالصيد أي أن البواخر تأخذه عن غير قصد. وبهذا القرار أصبحت هذه العينات صيدا قائما بذاته يتطلب الولوج لإصطياده رخصة خاصة مثمنة ومقدرة ومحددة بالقانون، كما يمكن توجيهه للسوق المحلي وتسييره علميا وتجاريا، ويمكن تحديد كمياته ومعرفة حقائقه العلمية والاقتصادية والميدانية، وبالتالي يمكن التحكم فيه وتوجيهه لتموين السوق المحلي.
الجانب الثاني من هذا القرار، وهو في منتهى الأهمية، يتعلق بتحريم تصدير سمكة "كربين" وتحريم تصديرها للخارج وهو قرار تاريخي لأنها ذات استهلاك اليومي الواسع في أهم وجبة شعبية رئيسة وهي وجبة الغداء (الأرز بالسمك) ، كما تم تحريم اصطيادها البتة على البواخر الأجنبية أو شبه الموريتانية أي البواخر التي ليست موريتانية مائة بالمائة (الطاقم والسفينة والجنسية غير موريتانيين ). وقد عالج هذا القرار الخلل الحقيقي المتمثل في خداع القانون الموريتاني من طرف البواخر التي تأتي بواسطة سماسرة على أنها وطنية من خلال هيكل عار لتستفيد من النظام الوطني (الولوج إلى المناطق المخصصة للوطنيين ،رسوم أقل بالنسبة للولوج للثروة ،إتاوة أقل على المقبوضات ،رسوم ميناء أقل، وغيرها من الأمور الخاصة بالوطنيين ) في حين أنها تظل أجنبية بكل المعايير: الطاقم والريع، مثل بواخر الأتراك والصينين وبعض البواخر الأوروبية. وهكذا صنفها هذا القرار الجاد والوطني على حقيقتها بأنها بواخر أجنبية ولا يحق لها إصطياد هذه العينة الموجهة للاستهلاك المحلي، كما تم فرض إتاوة جديدة سنوية على إصطيادها تقدر ب 500 ألف أوقية مقابل الولوج إليها بأي وسيلة صيد. ويعد هذا القرار في منتهي الأهمية لمجموعة من الأسباب: أولًا تثمين الآليات الوطنية لخلق مجال صيد خاص بها أصبح حكرا عليها يبعدها عن مجال المنافسة مع شركات عملاقة ومتقدمة من الناحية العلمية عليها وتصطاد كميات كبيرة وموجهة بالكامل للخارج، بينما تعمل السفن الوطنية بطريقة أقل حرفية لكنها أيضا ستطور بحارة وطواقم جديدة على نمط صيد معين، وبالتالي خلق خبرة وتجربة وطنية في هذا المجال وهو تثمين آخر جديد.
ثانيا: تخفيف الضغط على صيد آخر وهو الأخطبوط بتوجيه قطاع كبير من الصيد الوطني إلى صيد هذه العينة. ويشتمل الانشغال بهذا بالصيد بصفة خاصة على مجموعة من المزايا منها الغذاء بالنسبة للعاملين والمستثمرين. كما أن توفير هذه العينة المهمة في السوق المحلي بكميات كبيرة سيخفض من سعرها ويزيد من استهلاكها في تناسب بين العرض والطلب مما سيخفف الضغط على اللحوم ويخفض من سعرها بعد أن أشعلت جيوب المواطنين وكذلك على الدجاج، لأن وجبة الأرز بالسمكة هي الرئيسة بالنسبة لأغلبية سكان الضفة ونواكشوط ونواذيبو. ويندرج هذا القرار في مقتضيات المادة 3من مدونة الصيد 17-2015 التي تعتبر أن تسيير الصيد يجب أن يخضع للمصلحة الوطنية، وهو بالتالي تراث وطني لكل الأجيال ولكل الشعب لابد أن يكون لأهل ولاتة وباسكنو وبئر إم إكرين نصيب من كل سمكة تجلب إلى اليابسة بأي وسيلة كانت ومن أيً كان. وهذا لا يتحقق إلا بفرض إتاوات ورسوم على الولوج إلى المصائد. وهذا ضد وعكس ما رفعه بعض نواب الضفة من أن هذا القرار ضدهم ،فما معنى الإتاوات التي تفرض على رخص التنقيب السطحي عن الذهب؟ وما معنى تلك التي تفرض على كل الخدمات والأنشطة في البلد وفي كل مكان وعلى كل مورد؟ وما معنى أن تكون زراعة الأرز مثلا مفتوحة لكل الموريتانيين وليست حكرا على أهل اترارزة أو الضفة؟
إن الخلط بين منح التسهيلات للمواطنين ودعم انتاجيتهم لا يمكن أن يتم في ضوء تسريح الثروة وتركها في مهب الريح في حين أنها تستخدم لأغراض تجارية بحتة، فالصيد الذي يمارس في انجاگو مثلا يتم استخدام القليل منه في الإستهلاك اليومي ويتم بيع الآخر. هل من المعقول تركه من دون إتاوة وفرض الإتاوة على الموارد الأخرى لكي نبني بها الطرق ونوفر بها الأمن والشرب والتعليم والصحة لأهل إنجاگو الذين يريد نوابهم حمايتهم من الضرائب!!. إن هذا القرار يحمل في طياته بعدا وطنيا بكل المقاييس ويخلق دعما حقيقيا للقوة الشرائية للمواطن ويدعم تثمين عينات من الصيد موجهة للإستهلاك المحلي كانت تذهب سدى .
أمًا القرار الثاني فهو المتعلق بالعقارات بوزارة المالية، إذ تم منح تفويض بالتوقيع لمدير العقارات الوطنية الذي رفع مع بداية السنة بسبب الضجة التي أثارها تزوير الملكيات العقارية ، فقد أدى وقف توقيع مدير العقارات إلى تعطل مصالح قطاع عريض من الناس أسس حياته ومستقبله على هذا القطاع ولا يعرف سواه حيث تتم عمليات بيع وشراء وتحويل الملكية وسحب بدل ضائع وغيرها من الأمور التي تمثل سوقا غير مصنف يستوعب المليارات من الأوقية يتم تداولها بين الأشخاص في سوق مواز وتدخل الدورة الاقتصادية بشكل سريع ويومي ويمثل مجال عمل وعيش لقطاع عريض من الناس. وهكذا يعتبر العدول عن ذاك القرار عودة طبيعة لتحفيز وتحرير سوق نشط وواسع ويتضمن الكثير من فرص العمل والنشاط والتبادل التجاري .
أما القرار الثالث فهو المتعلق باجتماع الوزير الأول بلجنة وزارية لدراسة وتسيير عودة المزارعين إلى أماكنهم وتحمل تكاليف نقلهم مع أمتعتهم، وهي خطوة غير مقدرة التأثير الإيجابي من حيث توفير مابين 12000إلى20000 للشخص الواحد حسب المنطقة التي سيتوجه إليها. وهذه مساعدة قيمة لآلاف الأشخاص ،ثم أنه سيخفف الضغط على خطوط النقل الطويلة مما يحول دون ارتفاع أسعار النقل بسبب انخفاض الطلب، كما سيعزز الروابط بين الفئات الهشة بالدولة في خطوات ملموسة ضمن الجهود الأجتماعية التي تميز بها الرئيس الموريتاني محمد ولد الشيخ الغزواني ، رغم أن هذه المقاربة كان قد تعهدها الرئيس السابق معاوية ولد سيدي أحمد الطائع فترة طويلة من حكمه، وكان من نتائجها توفر الذرة والدخن والفاصوليا بكميات وأسعار مناسبة عكس حالتها اليوم. وتمثل هذه المبادرة تثمين وتطبيق مقتضيات خطاب الرئيس الذي هو الخطوة الرابعة المتمثلة في الدعوة للعودة لهذه الزراعة البعلية وللصيد القاري. وقد التبست هذه الدعوة أو الزيارة على الناس: بين من اعتبرها تدشين انطلاق الحملة الزراعية من تامشكط بدل اترارزة أو الضفة، ومن اعتبرها أمرًا خارج سياق الاولويات خاصة بالنسبة لدولة لديها قطاع يمكنه أن يحقق لها فائضا زراعيا من جميع أنواع المواد الزراعية إلا أنه يواجه مشاكل بنوية يجب حلها والإهتمام بها قبل الذهاب إلى أمر آخر يعتبره البعض (إخروجُ ).
لكن الواقع أنه التباس لا أكثر، من حيث أن خطاب الرئيس وإطلاقه لهذه الحملة إنما يعني نمطا خاصا من الزراعة وتشجيعه وحث الناس للعودة لنمط زراعي كان سائدا ويحتضن قطاعا عريضا من المجتمع كان ولا يزال بحاجة ماسة له بل أنه اليوم أصبح أكثر الحاحا وأهمية نتيجة لمتغيرات دولية ومحلية ، وكان المواطنون قد أقلعوا عنه بسبب عدم اهتمام الدولة به وعدم تذليل بعض الصعاب المرتبطة به، وبالتالي تراجع الاهتمام به إلى أدنى مستوى له رغم أهميته القصوى من حيث قيمته الغذائية وتخفيف الأعباء الاجتماعية على الدولة وعلى المجتمع نفسه ،كما أوشكت المساحات التي كانت تستغل فيه أن تنكمش وتضمحل، وظلت المياه التي كانت تستغل في هذا النمط مهدورة ، وهكذا فإن مبادرة الرئيس تهدف إلى نفخ الروح في هذا القطاع من حيث :أولا عودة الناس إلى هذا النشاط المهم واغتنام الفرص المتاحة والمرتبطة به والتي ستمكن من استغلال فرصة قائمة بدلا من أن انتظار نجاح سياسة الزراعة المروية وانعكاساتها، في حين أنه يمكن للناس جني نتيجة عملهم بصفة مباشرة لا أن ينتظروا نتيجة عمل آخرين أو نجاح سياسات حكومية في مجال بعيد عنهم ولا يعنيهم بصفة مباشرة وتلقائية وقد يتطلب بعض الوقت، فكيف يقال لهم لا تزرعوا حتى تنجح الزراعة المروية؟ هذا ليس من ذاك .
ثانيا أن يجد الناس ما يقتاتون به وما يسدون به بعض حاجياتهم وما يعلفون به ماشيتهم ودوابهم الداجنة التي يستخدمون في أغراضهم الكثيرة بدلا من انتظار تقسيمات من طرف الدولة تأتيها من إيطاليا أو منظمة الأغذية الدولية أو أي هبات أخرى أو برامج تدخل الدولة ، والتوجه بدل من ذلك للعمل والكسب بدل الكسل والاتكالية. ثالثا دعم السوق المحلي بمنتوج استهلاكي مهم ويملك الناس ثقافة غذائية ضائعة في استهلاكه.
رابعا دعم القوة الشرائية للمواطن من خلال استهلاك مادة سعرها في متناول جميع طبقات المجتمع، وتوفير سيولة من نتا،ئجهما العمل .
خامسا تخفيف الضغط على مادة القمح المضرة نتيجة لتوفرها على معدلات مرتفعة من السكر، ثم أنها تأتي من خارج الحدود ويتطلب توفيرها غلافا ماليا يزيد على23 مليون دولار قبل حرب روسيا أوكرانيا .
وأكثر من ذلك سنجد انماطا متعددة من المحاصيل والعينات من الخضروات والحبوب والبقول في السوق وسنخلق نشاطا كبيرا في كل نقطة من الوطن وفي كل سوق وسيجعل الدولة نفسها توليه اهتماما جديدا متزايدا على نحو سيمكن من متابعته ودراسته وخلق تجربة تراكمية قد تخلق بيانات ومعطيات تفيد في تطوير هذا النشاط فنيا واقتصاديا. وهنا تأتي أهمية أي نشاط أو مقاربة إقتصادية . ينضاف إلى ذلك الصيد القاري وتوجيه المجتمع ناحيته حيث لا يعرف مجتمعنا هذا النوع من النشاط رغم أهميته الغذائية والتجارية .
إن هذه القرارت مهمة وتقود بشكل مباشر إلى تحسين الحياة والنشاطات والمداخيل اليومية للمواطنين والرفع من مستوى معيشتهم، فهل سنتوجه لدعمها بدل تقديمها وانتقادها، وهو الأمر الوحيد الذي نمتهنه بنجاح وبالسوائية؟!.
محمد محمود ولد بكار