الاثنين
2024/04/29
آخر تحديث
الاثنين 29 أبريل 2024

رسالة إلى أهل النمجاط النبلاء

12 أبريل 2024 الساعة 10 و05 دقيقة
رسالة إلى أهل النمجاط النبلاء
طباعة

سمعت وأنا خارج البلاد بالخلاف الحاد الذي جري بين الإخوة سيدي الخير ولد الشيخ بونن وأبناء الشيخ آياه رحمة الله على الشيخين .
وهنا أريد أن اترحم على أرواح الرئيسين الجليلين في أخلاقهما اعل ولد محمد فال وسيدي ولد الشيخ عبد الله تغمدهما الله برحمته الواسعة وأسكنهما في فسيح جناته آمين فقد أفسحا لي المجال للقيام ببعض الأدوار التي كانت مهمة وعديدة لمصلحة البلد من خلال طريق الميسور إليهما …
لم تكتب لي الظروف أن أكون قد تعرفت عن كثب على أبناء الشيخ آياه البررة بينما تربطني علاقة وطيدة بالأخ الوقور الشيخ سيدي الخير وكان سببها أن صديقين عزيزين على قلبي تغمدهما الله برحمته وهما سيداتي ولد أهل إنّ، ومحمد ماء العينين ولد إزمراگي كانا قد رفعا إلي مشكلة مطروحة تلك الأيام لأهل النمجاط تتعلق بعزم الحكومة منعهم من بعض التسهيلات خاصة إلزام مريديهم بضريبة العبور، وطلبوا مني لقاء الشيخ بونن حينها الخليفة العام للطريقة القادرية وكان متواجدا في داكار وقد ذكر لي نفس المعلومات بإيضاح أكثر . قلت له سأبذل ما في وسعي وطلبت منه نقطة ربط بيننا فأعطاني رقم ابنه سيدي الخير الذي كان في نواكشوط وعندما قدمت لنواكشوط اتصلت برئيس الجمهورية المرحوم سيدي ولد الشيخ عبد الله ونقلت له تخوف أهل النمجاط وخاصة الشيخ بونن من ذلك القرار مبرزا له وجهة نظري وكان بأخلاقه الرائقة التي تطيّب الحديث مستمعا جيدا ، وقال لي لست على علم بهذا الأمر لأنه لم يصلني فيه شيء ،طلبت منه أن يلتقي بالشيخ بونن وهو أعلم بالواجب مني ، قال إذن انقل له أني سألتقيه الأسبوع القادم وحدد لي اليوم والساعة وأعطى تعليمات بذلك أمامي ،وأعطيتهم رقم هاتف سيدي الخير .
خرجت مسرورا واتصلت بسيدي الخير للمرة الثانية ونقلت له الخبر فأرسل إلي أبيه على وجه السرعة بالقدوم لنواكشوط ، وزرتهم في مكان إقامته في السبخة ونقلت له ونحن فرادى فواصل الحديث الذي دار بيني وفخامة الرئيس و الموعد ، التقاه وأكرمه وأمر بتجديد الطريق بين النمجاط وتگند وأرسل لهم أربعة وزراء للمرة الاولى لينفذوا مشاريع كل فيما يعنيه أعتقد أنهم المياه والصحة والتعليم والتجهيز أو ثلاثة منهم …
المهم من هذه القصة أن دافع موقفي متعلق بدور هذه الأسرة : دورها الديني والأخلاقي المستمر لليوم ونقلها لسمعة البلد وقيمه الدينية للخارج وأنها الأسرة الوحيدة في البلد التي تتلقى بصفة منتظمة عشرات الآلاف مرتين في السنة يبحثون عن منافع دينية لهم ، وليشاهدوا وينهلوا من معين الأخلاق والقيم المتوارثة التي هي مظنة للصلاح في هذه الأسرة وفي تلك البقعة التي دفن فيها الولي الصالح الشيخ سعدبوه ، ومن هذا المنطلق أجد أنه يتوجب عليّ الاستمرار في ذلك الدور الشخصي الذي يدعمه فهمي لدور هذه الأسرة الكبير وأن أستمر في ما أملك من جهد في دعم مركزهم الوطني ودورهم الديني دون أن يكون لي دافع آخر .
وانطلاقا من ذلك الفهم الحاصل عندي فإن دوري اتجاههم سير تكز هذه المرة على إسداء النصح لهم وللبلد ، لأن الأمن العام يتطلب مراسي كبيرة وفي العالم الديمقراطي هناك الأحزاب والناخبون الكبار وفي مجتمعاتنا العربية والاسلامية هناك الأسر والمشيخات وهي بالتالي جزء من ضمان السكينة، ففي أحداث السينغال لعبت الأسر الدينية سواء في السينغال مثل أهل الشيخ سعدبوه من خلال الشيخ عبد العزيز في "كيس" وأهل الشيخ ابراهيم انياس في كولخ أدوارا كبيرة في حماية المدنيين من الموت المحقق وكذلك في موريتانيا لعبت أسر وأشخاص دورا مماثلا … هذا الدور سيظل لاعتبارات تاريخية ومراكز اجتماعية ودينية قائما إلى ما شاء الله تعالى، ومن الأولى بأهله الحفاظ عليه وحمايته أكثر من الآخرين، ومن نافلة القول أن الشيء الكبير الذي يتهدده هو الخلاف الذي ينزع الثقة والهيبة والمكانة من قلوب الناس حتى لايعود هناك أثر ويضمحل التأثير والقوة .
أنا متأكد من أن الجماعة يعرفون ذلك وأن كلا منهم يريد أن يخدم المجموعة والطريقة بشكل بناء لكن عندما يكون ذلك سببا للتفكك فلابد من مراجعة الأسلوب، وهنا يكون من الواجب عليهم أن يحتكموا لسلطان الدين والعقل ويعتمدوا المرجعيات الشرعية لأن "درء المفاسد أولى من جلب المصالح "ولأن مسجدا مؤسسا على الإجماع والتقوى أكثر جدوى من مسجد مبني على الخلاف فلا يخفي ما في الخلاف من ضرار .
إن هذا الخلاف سيضر بالأسرة وبريقها وقوتها فحاولوا أن تضيقوا مجاله فقد أصبح اليوم حديثا للتواصل الاجتماعي ولا يغيب عنكم ما في ذلك من قلة حكمة وانعدام دقة وسوء فهم ونية مما ينقل للمتلقي من أخبار ومعلومات واسعة عن الخلاف تضر السمعة وتغذي النفوس بالاحقاد . وهكذا أطلب منكم كأول خطوة لبناء الثقة وإعلان حسن النية:
أن توقفوا جزاكم الله خيرا البيانات والحملات الإعلامية التي تدار باسمكم .
أن تتبنوا التوجه للنقاش والصلح كخيار وحيد .
أن تعلنوا ذلك للملأ من خلال أي مظهر جماعي .
أن تعينوا لجنة من كبرائكم تسعى بينكم ،او تطلبوه من خارجكم من جهة صديقة أو مستقلة .
لابد من تحقيق الاتصال بينكم مهما كانت الظروف حتى تعرف الناس أنه خلاف في وجهات النظر وفي الأسلوب أو في التقدير وليس نزاعا وليس عداء ولا حربا ، لا تطعموا الغوغاء أعراضكم ولا تفسدوا مكانتكم عند مريديكم بخلاف على مسجد الغرض منه وجه الله وليس وجه غيره .
إن الخلاف يفسد الصدقة ثم إن الله تعالى غني عن الشركاء ولايريد شريكا في عمل أريد به وجهه . إن فائدة العلم والصلاح والتربية الروحية هو هضم الذات وقتل النوازع وتحكيم الدين والمصلحة العامة وتقديم منفعة المسلمين، وهكذا يتوجب عليكم أصلحكم الله أن تتمثلوا هذه القواعد وأخلاق أسلافكم وآبائكم الذين لم يفسد لهم الخلاف ودا، وعليكم تقفي آثارهم .
أنا أتوجه إليكم جميعكم وإلى سيدي الخير الذي يعرفني أكثر من الأفاضل الآخرين بأن يلتقي بأخوته بصفة مباشرة أو غير مباشرة بعيدا عن أعين الناس الذين ينفخون في الخلاف ويزرعون الفتنة والتباعد بهدف التقرب والتودد إليهم بالباطل من أجل عرض من الدنيا ، وأن يتدارس معهم الأمر ولا تنسوا الأخوة والفضل بينكم ولا تنسوا أهمية الموقف وبالتالي ضرورة التخلي عما أحضرت الأنفس من الشّح فأنتم اليوم هم حديث الساعة فكونوا حديثها بما ينفع مركزكم وسمعتكم ومستقبلكم .
إذا تعطلت الصلاة فمن الرابح؟
وإذا انشقت القرية نصفين فكيف سيكون الوضع النفسي للمريدين عندما يأتونكم يريدون أن يستسقوا منكم ومن أرضكم تلك المعاني وتلك الروحانيات؟
أين اعتبارات الانسجام والأخوة والروابط الدينية والاخلاقية؟ أين المثل العليا ؟ إنهم يبحثون عن ذلك وقد قطعوا مئات الكيلومترات من أجله فلا تجعلوهم يتفرجون على اشياخهم في وضع أو منزلة لا تؤهلهم أن يأخذوا عنهم ما جاؤوا لأجله . لاتبحثوا عن ما تصبون إليه في الخلاف بل ابحثوا عنه في الاجماع في التواد والاحترام المتبادل .
لا تخربوا قريتكم ومكانتكم ومجدكم بأيديكم وقد آل أمره إليكم. اجعلوا المشيخة مشيختين أو ثلاثة هذا في جو الاحترام المتبادل والتقدير لن يضر سمعتكم ، واتركوا الشيطان وما له واحذروه، وخذوا ما خصكم الله به واتقوه "فإن الله يستحيي أن ينزع البركة من مكان قد وضعها فيه " لكن أصحابها هم من ينزعونها منها، فأحذركم من ذلك وادعوا الله لكم أن يمنحكم رعايته حتى تتفقوا وتتمسكوا بنهج الآباء والأجداد والسلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته.
أخوكم محمد محمود ولد بكار