الجمعة
2024/04/26
آخر تحديث
الجمعة 26 أبريل 2024

الدروس التي يجب أن تستخلص من محاكمة العشرية..

31 يناير 2024 الساعة 13 و50 دقيقة
الدروس التي يجب أن تستخلص من محاكمة العشرية..
طباعة

طالبت النيابة العامة بالحكم على الرئيس السابق محمد ولد عبد العزيز بالسجن 20 سنة مع مصادرة ممتلكاته وعائداتها خلال فترة التحقيق. وبالسجن 10 سنوات على كل من يحيى ولد حدمين ومحمد سالم ولد البشير والطالب ولد عبدي فال ومحمد عبد الله ولد اوداعه ومحمد سالم ولد إبراهيم فال (المرخي) مع مصادرة ممتلكاتهم وتغريمهم 10 ملايين أوقية جديدة……. ليس هناك أي شك من أن هناك نواقص وشوائب وخروقات، لكن كل ذلك مبرر بحداثة المحكمة. إنها أول مرة في تاريخ البلد وفي شبه المنطقة تعقد محكمة بهذا الحجم ولهذا الموضوع .
 طلبات النيابة ليست هي الأحكام وليست هي المهمة في النهاية ، بل المهم الاعتبارات التي تفهم من تجلياتها، أننا أمام تصنيف وتكييف لأعمال رئيس جمهورية سابق ومعاونيه الكبار في أعلى الوظائف
أمام إدانة مبدئية لسلوك رئيس في السلطة ،وهكذا يكون أول نجاح لنا هو عقد هذه المحاكمة وهو أيضا أول درس يصدر من موريتانيا في شبه المنطقة .
إن أول شيءٍ تجب الإشادة به هو الطريقة الحضارية التي تعامل بها الشعب الموريتاني بما في ذلك أهل المتهمين الذي يعتقدون ببراءة أبنائهم حيث كان تعاملا مدنيا وسلوكا مسؤولا، وقد انتهت أهم فصول المحاكمة التي امتدت سنة ونيفا دون مشاكل ولا احتكاك قوى مؤثر على سير المحكمة ولا اضطرابات سياسية .
كما تم إبعاد محيط المحاكمة وحقلها من التشويش الإعلامي من التصوير والتسجيل والتسريب من خلال إحكام السيطرة الأمنية والقضائية والتنظيمية لسير المحاكمة والجلسات حتى خلت من أي تشويه ولا تعريض بأعراض الناس ولا لصورهم في المحاكمة صونا لكرامتهم وحقوقهم .
 أخذت المحاكمة كل الوقت حتى يحصل كل متهم على جميع فرص الدفاع عن نفسه ويستنفذ كل قدراته في المجال .
كان أهم درس في هذه المحاكمة ليس الحجم السياسي المعنوي للأشخاص المتهمين ، بل وظائفهم وممارساتهم وهكذا ركزت المحكمة على الأفعال وحاكمت الأفعال ولم تتطرق للجوانب الأخرى الاجتماعية والسياسية والأخلاقية، ولم تثر الملفات الكبيرة التي قد يتطرق لها البحث خاصة البحث عن التوريط وعن التشويه. وكان هذا مظهرا أخلاقيا مهما نادرا في مثل هذه المحاكمات التي تستهدف رئيسا ومعاونيه ونظاما سياسيا. وهكذا لم يتم التطرق لأسرة ولد عبد العزيز ولا أعماله الأخرى في السلطة ولا كذلك معاونيه …
حمل هذا المعطى درسا آخر مهما، هو أن المحاكمة لم تستهدف تصفية الحسابات ولا الضغائن ولم تخرج عن سياق الملفات المقدمة لها من الناحية المهنية والفنية. وكان بامكانها توسيع البحث ودمج الملفات الأمنية وغيرها وكان ذلك بفضل التركيز على هدف العدالة وليس القضاء الذي يحتمل تداخل الكثير من العناصر .
كان الدرس الثاني الفائق الأهمية هو رسم الحدود بالنسبة لاستغلال النفوذ وطريقة تسير السلطة واحترام القواعد والمساطر وحرمة المسألة العمومية سواء كانت مالا أو مجالا أو قوة .
ثم كان الدرس الآخر الأهم أن الرئيس غير محصن، وهكذا تم تأويل ووضع تقليد لتأويل المادة 93 من الدستور وتحديد حدود الحصانة. لقد تم فك الارتباط مع فكرة الحصانة الشاملة والدائمة. نحن اليوم أمام وضوح رؤية حول صلاحيات الرئيس وصلاحيات الموظفين السامين .
 هناك درس آخر أن قوة النظام وقوة الرئيس الشخصية وإحكام السيطرة لا تمثل حماية، وأن التخطيط لما بعد الخروج من الحكم لا يمثل ملاذا ولا حماية من القانون والمساءلة .
كما حملت لنا هذه المحاكمة أن كل أحد معرض للمساءلة بدءا بالرئيس لقد وضعنا طرقا كبيرا على المسألة العمومية في البلد .
إننا اليوم نسطر نجاحا كبيرا وأساسا للتراكم مهما اعتراه من مثالب، لكنه طوق للشعب الموريتاني من تغول الرئيس ونهبه ومن نهب البطانة والأصهار والأقارب في ظله. إنه سبيل ومحجة وسمتٌ وطريق وديدن ومسلك يجب أن يظل عليه الشعب الموريتاني كمحظية من محظيات نضاله الوطني ومن تجربته حتى يبني لنفسه تراكما في محاربة الفساد. وهذه هي أهم وأكبر عقبة يهون كل شيء بعد تذليلها .فهنيئا للقضاء الموريتاني على طريقة تسيير هذه المحاكمة القوية والسابقة في تاريخ البلد سواء تعلق الأمر بالموضوع أو بالأشخاص، وهنيئا للشعب الموريتاني والكتل السياسية في البرلمان الموريتاني وللمعارضة الموريتانية والصحافة الذين طالبوا وساهموا في الترويج لهذا المطلب، حتى صار أمرا واقعا، لكن الفضل، كل الفضل في الوصول إلى هذا التطلع، يعود للإرادة السياسية في البلد .

من صفحة الاعلامي والمحلل السياسي محمد محمود ولد بكار