السبت
2024/04/27
آخر تحديث
السبت 27 أبريل 2024

كتاب: تائه يبحث؟! (الحلقة: 3)

13 مارس 2024 الساعة 23 و25 دقيقة
كتاب: تائه يبحث؟! (الحلقة: 3)
لمرابط ولد لخديم
طباعة

ولمواجهة هذه المدنية يجب علينا ابتكار نماذج جديدة للتغيير تنسجم مع عقيدتنا، وأهدافنا، وعقلنا الجمعي الإيجابي، وتستوعب طبيعة التحديات المتصاعدة لأن الحياة في المدينة تشهد تزاحما كبيرا، مما يضيق المساحة التي يشغلها كل فرد، وكل أسرة، وهذا يتطلب اكتشاف الغير وتقبله، والاعتراف بوجود الاختلاف بين الناس، واحترام نمط حياة الآخرين، ومن ثم اعتبار القيود الاجتماعية شيئا نسبيا، مع أهمية تعلم التعايش والتكيف والتسامح...
إن الزحام الذي يشتد في المدن يوما بعد يوم، يثير الكثير من المشاعر العدوانية، ومشاعر الضيق والتذمر من جراء الشعور باقتحام المجال الخاص الذي يرسمه كل واحد لنفسه في ثقافة لفريگ المتعودة على أطناب الخيمة,التي تحدد الكثير من سلوكياتنا فمثلا للحصر: مسألة الاستئذان والتي هي سلوك مدنيي وشرعيي مازلنا حتى الآن لا نعطيها أي اهتمام حتى وإن إعترضتنا جدران الاسمنت,,وكذالك مظهر الخيمة البدوي الحضري...
وهكذا فالرؤية المتعددة، توفر نوعا من التوازن العقلي والشعوري، وتحسين سوية المقارنة، مما يعبد الطريق في النهاية نحو التنمية المتكاملة...
وإذا كان لفريگ هو الحاضن لثقافة المجتمع الموريتاني جغرافيا, فان القبيلة هي روح وأساس هذه الثقافة. لكن على ماذا تتأسس العواطف القبلية عموما؟
يعرف ابن خلدون العصبية القبلية بأنها (الالتحام بالنسب) محللا مفهوم النسب بأنه مجرد معتقد قد يكون وهميا, إلا أن الظروف الطبيعية لنحلة المعاش البدوي تجعله أمرا قادرا على إثارة الحمية وتوحيد المشاعر أمام الأخطار الخارجية خصوصا.
غير أن المميز الأساسي للالتحام بالنسب هو قيام هذا المعتقد على معنى " اشتراكي" كما يرى الخبير الاجتماعي محمد محمود ولد سيد يحي يقضى بالتساوي النظري لجميع أبناء القبيلة لأنهم جميعا ينحدرون من أصل واحد.على حد تعبيره...
ولهذا يقول ابن خلدون إن القبائل في بيئتها البدوية لا تعرف سلطة حاكم حقيقي ينفرد بالمجد عن أفراد قبيلته ويقهرهم بأحكامه وإنما يكون هنالك رؤساء تطبعهم روح أبوية أكثر منها سلطوية. يشرفون على تنظيم القبيلة في حالة الغزو ورد الاعتداء, ولا ينفردون برأي دون مشورة بقية مشايخ المجلس القبلي.
غير أننا لم نتوقع أن تستمر القيم القبلية فاعلة في سياق سياسي آخر لا يعرف المساواة ويقوم على ( التباين والتدرج الاجتماعي ) كما أسلفنا.
وهو ما نشاهده اليوم واقعا, في ظل الدولة. والسؤال الذي يطرح نفسه لماذا لم تتأثر القبيلة بالنهج المغاير السابق؟
يرى ابن خلدون المعتمد على واقعه الاجتماعي الذي عاش مرحلة مشابهة اندمجت فيها المجتمعات البدوية الهلالية بالحواضر السياسية المغربية محاولة إقامة دولة على أساس عصبي.
أن القبيلة بمجرد اندماجها بالسلطة السياسية القائمة على الهرمية تفقدها طابعها الاشتراكي , ويبدأ السلطان بالتميز عن باقي أهل عصبته ,وينفرد بالمجد دونهم , مما يقضى عليه بأن يخسرهم .ومن ثم تتفكك العصبية في الجيل الثاني لكي تترك مكانها لعصبية صاعدة...
إلا أن هذه البداوة ريفية ذات ثقافة مقيدة بينما بداوتنا صحراوية ثقافتها غير محدودة..‼
ولعل هذا هو السبب وراء استمرار الوظيفة السياسية للقبيلة في ظل الدولة الحديثة التي تتميز بالتباين والتخصص والطبقية والبيروقراطية.. ؟
ملخص الحلقة:
للتغلب على التحديات المتصاعدة في المدن، يجب علينا ابتكار نماذج جديدة للتغيير تنسجم مع عقيدتنا وأهدافنا، وتعتمد على التعايش والتسامح واحترام التنوع الثقافي. العواطف القبلية تتأسس على المعتقد بالانتماء لنفس النسب وتضافر الجهود في وجه التحديات الخارجية، وقد يكون السبب وراء استمرار القبيلة في السياسة هو الثقافة الصحراوية التي تسمح بمزيج من التنوع والتخصص في ظل الدولة الحديثة.).

يتواصل

لمرابط ولد لخديم