السبت
2024/04/27
آخر تحديث
السبت 27 أبريل 2024

كتاب: تائه يبحث؟! (الحلقة: 5)

18 مارس 2024 الساعة 16 و18 دقيقة
كتاب: تائه يبحث؟! (الحلقة: 5)
لمرابط ولد لخديم
طباعة

المحور الأول؛
الرافد العرفي: الإنسان وبيئته:
حين يولد الواحد منا يجد في بيئته الثقافية فُيوضا من المقولات الشعبية والأعراف والتقاليد، كما يجد نظاما رمزيا كاملا، وانتماء دنيويا وعرفيا ولغويا، ويجد إلى جانب كل ذلك أسلوبا مميزا للعيش والتفاهم، وإدارة الأزمات، وخبرات وعلوما متناقلة...
وذلك كله منحدر من الماضي البعيد والقريب. والبيئة الثقافية لكل ما تحويه، تسوق طريقتنا في التفكير، وتحدد أطر مشاعرنا واتجاهات عواطفنا، وآفاق طموحاتنا وآمالنا، كما تحدد المحكمات والأعراف التربوية التي تتم تنشئة الصغار بها وعليها.
إن مما أضر بفهمنا لمسألة نسبية الصواب والخطأ في الأفكار أننا كثيرا ما ننزع الرأي من إطاره البنيوي وبيئته الثقافية والاجتماعية فيبدوا وكأنه يستمد صوابه من ذاته وقدرته على الإقناع، واقتناع الناس به. وهذا حرمنا من فهم المرتكزات العميقة له، ومن فهم البرمجة الثقافية التي وفرها المجتمع لصاحبه. وجعله أسيرا لها..
البدائيون الذين يعيشون في بيئات تشكو من الفقر الثقافي بكل وجوهه ومستوياته، يميلون إلى البساطة في التفكير وإصدار الأحكام القطعية، ورفض كلما ما يخالف ما هم عليه، وذلك لأن بيئتهم، جعلت قدرتهم على المقارنة محدودة كما أن ما يجول في عقولهم من دلالات محدودة.(61)
وعلى هذا فنحن – فاعتبار ما – شيء من الماضي، ومظهر من مظاهر تحققه وظهوره.
فمهما حاول الواحد منا أن يبدو مخالفا لمواصفات ذلك الماضي، ومهما حاول الانقطاع عنه، فإنه لن يستطيع التخلص منه إلا على نحو جزئي، وهل يستطيع المرء أن يخرج من جلده أو أن ينسلخ عن نسبه؟!!.
غيران المتأمل في أحوال المجتمعات الإنسانية، يجد أن السواد الأعظم من الناس يحملون الأفكار والمعتقدات الموجودة في مجتمعاتهم دون تفريق بين الصالح منها والطالح، حتى انك تجد المخترع والعبقري والعامل المتمكن الذي ينصرف على نحو خرافي إذا هو خرج عن مجاله أو تخصصه، وما ذاك إلا بسبب سطوة الموروثات الثقافية، وبسبب قدرة العقل البشري أن يجمع بين أعلى درجات المنهجية، وأعلى درجات الخرافة في إطار ثقافي واحد، لتتجلى جميعا في سلوك صاحبها وعلاقاته..
وهذا ما يظهر من خلال أكثرية الكتابات التي يكتبها بعضهم عن قصد, ويسكت عنها البعض عن قصور..
والإنسان بفطرته طلعة لا يقتنع من الحياة بمظاهر أشكالها وألوانها كما تنقلها إليه حواسه أو كما ينفعل بها شعوره، بل يتناولها بعقله، وينفذ إليها ببصيرته ليعرف حقيقة كل شيء.!!.
من أين جاء؟ وكيف صار؟ وإلا م ينتهي؟.
وهو في إشباع رغبته تلك لا يدخر وسعا من ذكاء أو جهاد حتى يبلغ من ذلك ما يطمئن إليه عقله وتستريح به نفسه.
منذ القرنين 13 - 14 الهجريين والفكر الشنقيطي يواصل ارتقاءه الثقافي الدؤوب ارتقاء يمد جسرا للحاضر، ينقل عبره فكر بلاد شنقيط ليأخذ مكانه طيفا من أطياف الثقافة العربية الإسلامية موجها سلوكه ومساهما في تحديد مستقبله، وقد اكتملت أنسجته المعرفية وأعرافها الفكرية منذ ذلك الزمن، وتوارثتها الأجيال مكتملة عصية على التغيير، فقد صاغت كل عصاراتها الفكرية في الفقه والتصوف والأدب في ظل مؤسسة اجتماعية بدوية تمثل القرابة أهم روابطها بعد العقيدة، استطاعت أن تحفظ للمجتمع عقله الجمعي..
ومجتمعنا الذي وجدنا أنفسنا فيه فريد من نوعه فليس هنالك مجتمع ـ على كثر المجتمعات والمخلوقات (أكثر منه غرابة وغموضا، وأعظم منه تناقضا وتضاربا، فهو بدوي يحب الحضر، فقير يحب الغنى والخير، خاضع لناموس الموت والفناء، محب للخلود والبقاء ، كثير الحاجات دقيق الرغبات، عميق الهواجس والخواطر، بعيد الآمال والنظرات، لا تروى غلته ولا تشبع جوعته، حاجاته ومطامعه أكثر من أنفاسه، وأطول من حياته، وأوسع من أن يسعها هذا العالم المحدود(62)
فلكل مجتمع ثقافته وعاداته وخصائصه التي أملتها عليه ظروفه ومحيطه ولأن مجتمعنا بدوي فقد كان لحياة البادية الطاعنة, وشح موارد العيش والتسيب السياسي عوامل من بين أخرى طبعت بنيته وميزته عن غيره من المجتمعات...
والثقافة بمعناها الواسع تشمل جميع السمات الروحية والمادية والفكرية والعاطفية التي تميز مجتمعا بعينه أو فئة اجتماعية بعينها، مثل نظم القيم والتقاليد والعادات، ومثل الحقوق الأساسية إلى جانب الفنون والآداب وطرائق العيش.
وتأسيسا على هذا التعريف نرى أننا مازلنا نتمسك بعادات وتقاليد أو جدها العرف أصلا مع أنها تتنافي مع الحياة الحضارية والدين, ونحن إلى جانب هذا غير مقتنعين بها، لكن الخوف من النقد، والخروج من المألوف، وما تواضع عليه المجتمع، هو الذي يجعلنا نرضخ لها.... يتواصل....
ملخص الحلقة:
الحلقة تتناول العلاقة بين الإنسان وبيئته الثقافية، مشيرة إلى كيفية تأثير تلك البيئة على تفكير الفرد وسلوكه ووجدانه، وكيف أننا غالبًا ما نستمد آراءنا ومعتقداتنا من هذه البيئة دون أن نفكر فيها. مع التأكيد على أهمية فهم الأسس العميقة للثقافة وتأثيرها على تشكيل شخصيتنا وسلوكنا.
تسلط الحلقة الضوء على التحديات التي تواجه المجتمعات في التخلص من بعض العادات والتقاليد التي قد تتعارض مع التقدم والتطور الحضاري والديني.
يتواصل

لمرابط ولد لخديم