الثلاثاء
2024/04/30
آخر تحديث
الثلاثاء 30 أبريل 2024

ملاحظات على هامش ارتفاع الأسعار: الأسباب والخلفيات

21 مارس 2024 الساعة 18 و16 دقيقة
ملاحظات على هامش ارتفاع الأسعار: الأسباب والخلفيات
طباعة

موضوع الأسعار والتجار المطروح منذ أيام يحتاج إلى فهم علمي يمكن من إيجاد حل مستديم له.. وبما أن الاقتصاد كان أحد هواياتي ومجالات تعلمي حيث درست الاقتصاد في الجامعة قبل الانتقال إلى القانون، وكانت لي فيه آراء وإسهامات خاصة في مجال الاقتصاد الكلي الذي يتفاوت الدارسون فيه لكونه يحتاج إلى دارسين موهوبين أكثر من احتياجه إلى دارسين مختصين بخلاف الاقتصاد الجزئي الذي يستند على المعرفة الفنية أو الرياضية البحتة أكثر من احتياجه لفلسفة الاقتصاد العامة..
وقد سمح لي تأسيسي قبل 15 سنة لجريدة الأمل الاقتصادي التي دم صدورها لعدة سنوات بتعميق معرفتي الاقتصادية من خلال الدراسة والتبادل مع الخبراء الاقتصاديين، وقد خرجت من تلك التجربة التي انتهت سنة 2015 بملاحظات مؤلمة خلاصتها أن الرشوة والفساد الذي هيمن على البلد لعقود وسوء التدبير الاقتصادي قد جرت البلد إلى وضعية كارثية على التنمية وعلى المواطنين. وقبل أن أسرد هذه الملاحظة أذكر بأن رجال الأعمال هم عصب الاقتصاد الوطني الحقيقي والإضرار بهم إضرار بالوطن، ولذلك عندما شعر بعضهم بأنهم ليسوا في أمان بعد انقلاب 2008 هربوا إلى الخارج ما لا يقل في تقديري (ليست لدي إحصائيات بهذا الخصوص) عن خمسة آلاف مليار تم استثمار أكثرها حوالينا هنا في إفريقيا وفي أمريكا اللاتينية في أكبر عملية إخراج لرؤوس أموال وطنية من التداول الداخلي أثرت وما تزال تؤثر على الاقتصاد الوطني، لكن أهمية رجال الأعمال الوطنيين لا تعني ترك الحبل على الغارب لهم لطحن المواطنين كما يحدث منذ عقود حتى وصل الآن إلى مرحلة لم يعد المواطن الضعيف معها قادرا على التحمل. والمسؤول الأول عن ذلك ليس التجار لأن جنوحهم إلى الربح هو مبرر وجودهم، لكنه الموظف الذي يضع الضوابط ويقترح القوانين ويراقب التنفيذ.
ونظرا إلى أن الوضعية غير قابلة للاستمرار على المدى البعيد فقد طالبت في تدوينات سابقة بأن يتصمن برنامج فخامة رئيس الجمهورية للمأمورية الثانية مراجعة في مجال الإصلاحات الاقتصادية والمالية بما من شأنه أن يقضي على الاختلالات الكبيرة التي تمنع من التوزيع العادل لثروتنا الوطني وتؤدي إلى إفقار ملايين من مواطنينا لصالح مجموعة صغيرة من التجار مستفيدة من قرارات وأنظمة إدارية غير شرعية. وسأقوم هنا بتقديم جملة من الملاحظات التي من شأنها أن تظهر أوجه الاختلالات المتراكمة في نظامنا الاقتصادي والمالي ومدى تفاقم تضرر المواطن منها في مقابل زيادة أرباح التجار:
الملاحظةالأولى
 مشكلة اقتصاد بلدنا الكلي أنه لا يخضع لأي فلسفة اقتصادية معروفة، ولا يحترم أي منهج اقتصادي معين. ومع أن ظاهره العام ليبرالي فهو ينتهك أهم قواعد الليبرالية التي تضمن المنافسة الحرة التي هي الضمان الأوحد لخفض الأسعار وجودة المنتجات عن طريق قوى السوق دون تدخل من المشرع، فحالة التفاهم الضمني Entente illicite بين المتنافسين الاقتصاديين، وحالة الوضعية المهيمنةPosition dominante وحتى حالة الاحتكار le Monopole كلها حالات مستشرية منذ عقود في البلد، والضحية طبعا هو المواطن، أضف إلى ذلك حالات الجمع بين صفتي التاجر والمصرفي بدون قيود وازعة تحفظ الحقوق مما يجعل التاجر مالك البنك في وضعية خلق نقود وهمية تتسبب في مزيد من التضخم الذي ينجم عنه حتما ارتفاع الأسعار.
الملاحظة الثانية
العلاقة بين التجار والدولة فقدت التكافؤ منذ عقود، وبالتالي تراجعت صفة الدولة كوسيط محايد بين التاجر والمواطن مما أضعف مع الزمن سلطتها في التحكم الاقتصادي...
يتواصل

الحسين بن محنض