الاثنين
2024/05/13
آخر تحديث
الاثنين 13 مايو 2024

الحلقة الثانية: عزيز، غزواني، تغيير الدستور، المعارضة، مرشحون من خارج السرب: سيدي محمد ولد بوبكر نموذجا

16 يناير 2019 الساعة 11 و47 دقيقة
الحلقة الثانية: عزيز، غزواني، تغيير الدستور، المعارضة، (…)
طباعة

حقائق وكواليس: تحليل سياسي / محمد محمود ولد بكار

بعد فترة طويلة من الصمت مُنحت فيها جماعة الظل في محيط عزيز الوقت الكافي لإختبار قدرتهم في تحقيق هدفهم المنشود في توطيد دعائم الحكم لمصلحتنم بالطبع ، صدر أمس بيان من رئاسة الجمهورية يطالب بوقف التحركات نحو التعديل الدستوري المُجَرم قانونا مكللا هامة كل تلك المحاولات بالفشل الذريع وواضعا عزيز أمام مصيره الموضوعي الخروج بقوة الدستور من السلطة . لم يحدث أي شيء بسهولة إنه إنصهار الإرادات والرغبات وعناق الألوان والتكوينات السياسية المختلفة برسالتها التي نلتمس فيها لحظات روحية نادرة للتضحية والرفض إنه لون آخر من إنفجار الهوامش الاجتماعية ضد ميكانزمات الإكراه واسترخاص مستقبل وطن بكامله . لقد خلق ذلك تيارا قويا مثل زوبعة في خيمة خلط كل الأوراق السياسية وغيّر الشيء الكثير في منازل الأغلبية، إنها دينامية التغيير التي ستجعل الجميع يختلط بل هي لحظة تغير المفاهيم والمواقع نحو انفجار الكتل إلى بناءات أخرى سيفرزها الاعتزاز بتحقيق النصر . لازال العنوان العام للكتل السياسية على حالته لكن موجة الحراك العارم التي ظل يسودها الامتعاض الجماهيري الواسع من شتى أصناف المجتمع كانت في الواقع عنوانا واحدا لنفس الموقف المفجر لرفض ذلك المسعى في كل صوره ومراميه وكان الدرس الحري بإنحناءة طويلة هو الموقف الثاني من داخل الأغلبية أعني من النواب النبلاء الرافضين جملة وتفصيلا لأي مساس بالدستور . إنها صفعة على الخد الأيسر بعد صفعة الشيوخ العريضة على الخد الأيمن قد تعيد عزيز مرة أخرى إلى مربع الترعرع من ضربة الشيوخ الأولى تلك ،حتى يفقد تركيزه بما يريد مدة أخرى . لقد جاء البيان بلغته الزاخرة بالنعيم والنهج القويم والإنجازات الكبيرة من نفس مطبخ الدعاية الذي لا يحترم عقول الناس في إحدى اعتى صور إطراء عزيز، دون أن يتنكر لجهود المجموعة المخالفة للقوانين بل وشكرها وطهر نواياها الوطنية لأنها تريد إستمرار الخير العميم للبلد . وعلى الرغم من عدم تناغم لغة البيان مع ما انفجرت به المواقف ضد هذا الحدث تعبيرا عن الخوف على الاستقرار فإن الرسالة واضحة لعزيز بأنه ظل يجثم على صدور الشعب المسكين ، فهل كان البيان اكتشافا أو فهما متاخرا على طريقة معاوية 2003 في خطابه في كيفة أو فهم زين العابدين 2010 بعد تفجر الثورة التونسية؟ لا يمكن تجاهل ذلك الافتراض ، لأن ذلك الموقف عكس جزءا مهما من الحقيقة المتعلق بالوضع العام للمواطنين وكيف أنهم يريدون التغيير كل بطريقته .
لا يعنيني بأي وجه سيلقى هؤلاء النواب أبناءهم بعد استحمامهم في مياه المواقف الآسنة أو الطريقة التي سيردون بها على سلام الناس في الشارع لا أعني أقرباء عزيز لأنهم يدافعون عن حصصهم ونصيبهم من البلد ولا أعني الذين قبضوا ثمنهم إنما الذين لاناقة لهم ولا جمل في الأمر في جوهره وفي مآلاته غير ما حاولوا جر بلدهم له من عدم الاستقرار . إننا في المحصلة نشاهد سقوطا آخر لشجرة ظلت جذورها منتشرة في الأرض وأوراقها المهذارة تمد رياح النفاق بتيارات تلو الأخرى حتى لا تتوقف صناعة ذلك المرض بل تلك الحائزة .ليس نواب المأمورية هم وحدهم من وضع نفسه في مأزق بالنسبة لصورتهم ومستقبلهم السياسي في البلد لكن عزيزا لم يجهز أوراقه للتنحي عن السلطة وهذا ما يفسر حجم المأزق الذي يقع فيه وهو ما يفسر حجم التعارض والتناقض والضياع في صفوف نظامه إنه نظام في سكرات الموت بسبب العناد والتجبر وضيق الأفق . ولهذا السبب كواحد من الأسباب الأخرى لايمكن لأي عملية تطالب ببقاء عزيز على أي نحو أن تتم دون هرج كبير خارجا عن حساب العواقب ليس لأن ذلك لا يخضع للتوافق داخل الأغلبية بل بسبب التعارض الواضح بين ما يردده عزيز بأعلى صوته وبافتخار وزهو أمام الصحافة الدولية وبين ما يتم باسمه ومن بين يديه ومن خلفه دون أن يحرك ساكنا . إن المجموعة التي تسير المشهد سواء الذين في الواجهة أو من يقفون خلفهم هم من أصفياء عزيز وبطانته وأهل بيته ، وتحت قبة البرلمان، وعبر التلفزيون الرسمي وعلى مسمع ومرأى من المدعي العام .لن يتيسر لنا الوضع على هذا النحو المتعمد من الإرباك أن ندرك الموقف في دلالاته العميقة ودواعيه الحقيقة بالبحث في المسألة انطلاقا من الطبيعة السياسية لها أو التحليل الاستراتيجي لمستقبل النظام بل بالبحث خارج المنطق لنصل إلى نهاية التصور الطبيعي للمسألة ألا وهي الكيفية التي يزن بها عزيز البلد أو يخطط بها لنهايته كما يريد و ذلك هو عمق الكارثة .
كان إبعاد أصحاب الشأن أو الاختصاص أو عمق التجربة من داعميه وأصدقائه والمطبلين له والزج أو اختبار أشخاص لأنهم من محيطه الاجتماعي ولا يملكون في الأساس سوى " ثروة قارونية" تثار حولها الشبهات من كل جانب نموذجا لحجم الإفلاس والتخبط وإستضعاف البلد واستصغار نخبته ومنتخبيه إلى حد بعيد ، إنه يعطينا فعلا فرصة لمعرفة كيف يحدد خياراته في اللحظات الأخيرة ، إنه إمتداد لنفس الاسلوب الذي لا يعطي أي أهمية لتعقيدات الوضع ولا يقيم وزنا لأي تطورات ولا لتطلعات الناس ولا إحساسها بالمرارة ، بل ويقيم حداً على البلد والشعب بقدرٍ هو صانعه بميولاته ونوازعه ودوافعه وهواجسه ومزاجه واحاسيسه وسجاياه التي تؤثر فيها على نحو لايخامره أدنى ظل من شك حب المال والجاه والسلطة لكن ذلك لا يدوم، إنها محنة صاحبنا التي يحبس فيها بلدا بكامله إما أنا أو من بعدي الطوفان .
ليس صاحبنا في عجلة من أمره وهو يضع البلد خلف حفرة كبيرة من النار ويرفع القنطرة في السماء في وجه أي عبور آمن . لقد عاش كثيرا من السيناريوهات التي لم تلهمه بالدروس ، ولعل آخرها سيناريو معتوه غامبي يحي جامى صديقه الذي ورث صداقته من معاوية ليقول لنا انه على كل حال يملك مخرجا مماثلا عندما تفشل جميع سيناريوهاته في البقاء التي لم يعرف لحد الآن أيها ولا بأي طريقة سينفذها ، فسيبقى لديه في الأخير فرصة المساومة بالبلد خاصة أنه إنما يقبض ثمن بكاء كل هؤلاء "الأوباش "عليه ، بأن يذهب مكرما ، كم هو محظوظ إن صارت الأمور على هذا النحو .
إنني معه لا أستبعد أي شيء من ذلك في مجتمع الأموات هذا ، لكن ليس في كل مرة تسلم الجرة ،فالأمر يتطلب على الأقل ظروفا متطابقة . إننا بالنظر إلى الطريقة التي تم بها اقتراح قضية تعديل الدستور التي لا توحي بأي قدر من الثقة ولا المصداقية، ليس كما أسلافنا لضعف الواجهة التي تحرك دفة العملية لكن أيضا لأن المجموعة التي ظلت تحرك المشهد من خلف الستار كانت صغيرة هي الأخرى مع أنها تحصل على مزايا بالمليارات لا تقدر من حيث الحجم والانتظام والتوسع ودون أي مؤهلات ولا وجه حق بأي حجم ، إنها فقط مرتبطة بوجود عزيز رأسا في السلطة ، إنها في الحقيقية لا تملك أي قدرات فكرية لتقدر حجم الخطر ولا أهمية الدستور نفسه ،لكنها تدافع عن وضع من الأثرة والراحة حصلت عليه على طبق من ذهب ولاترى من خلال إستكانة النخبة وضعفها أي سبب للتنازل عنه بل في عدم الحفاظ عليه من دون أي كلفة ولا ضريبة ،وهكذا نرى لهذا الحراك مبرره بل الاستماتة في تحقيقه بالنسبة للزمرة المستفيدة لكن بالنسبة للنواب فأي سوء سعد الطالع يحملونه من أجل استمرار وضعية مريحة لجماعة تغط في الراحة وتستنزف مال مجتمع متهالك من غياب الخدمات وتدهور الظروف وظلام المستقبل ، كمن يبيع آخرته بدنيا غيره .
إن القوة الحية وقد أحبطت أكثر المحاولات تشويشا على الوضع ستجد نفسها أمام تحدي أو رهان كيفية استغلال هذه الفرصة للوصول إلى التناوب . صحيح أن جملة من المعطيات لاتزال غامضة بالنسبة لتحديد الاتجاه النهائي بالنسبة لذلك البناء أي خلق جو وطني لخوض إستحقاقات مهمة بل وتاريخية بالنسبة للبلد ،لكن العقبة الرئيسية قد زالت في وجه تحديد ملامح مستقبل العملية السياسية .
محمد محمود ولد بكار

الحلقة الثالثة
مع سقوط كل محاولات عزيز في البقاء في السلطة ماهو مستقبل النظام ؟
هل يعني هذا البيان خروج عزيز من السلطة وتسليمه المشوار لصديقه أم خروجه من اللعبة . كيف سيتم ذاك بالتخطيط مع عزيز كلاعب دائم أو كرئيس سابق ؟ مع من سيتم التخطيط لذلك ؟ من هو رجل أو رجالات النظام في المستقبل ؟
ما هو دور الأغلبية هل ستبقى تابعة خاضعة أم صاحبة موقف أو مبادرة أو مفككة ؟
ماهو دور المعارضة في أفق هذه التغيرات وكيف تغتنم الفرصة للخروج من جلدها إلى فضاء التغييرات أي الخروج من إطار المعارضة إلى الإطار الوطني بكل تشكيلاته وتعقيداته ؟ من هو رجل المعارضة أو رجالات المعارضة ؟
هل نحن بحاجة لبرنامج إصلاحي وطني ؟ أم نحن بحاجة لشخصية قيادية وطنية قادرة على خلق رؤية وتصور لحل مشكلاتنا ؟
أم نحن بحاجة لكليهما ؟
محمد محمود ولد بكار