الأربعاء
2024/05/1
آخر تحديث
الأربعاء 1 مايو 2024

اللغة العربية : قواعد بين الأخذ والرد‎

18 أبريل 2024 الساعة 07 و01 دقيقة
اللغة العربية : قواعد بين الأخذ والرد‎
محمد حسنة الطالب
طباعة

لقد أصبحت قواعد اللغة العربية تشكل عائقا كبيرا في نظر الكثير من أجيال اليوم، مما دفعهم إلى الاهتمام باللغات الأجنبية، والاكتفاء بالتداول العشوائي للغتهم الأم، يحدث هذا في الوقت الذي نرى فيه أعدادا من الأجانب يتقنون لغتنا العربية في مختلف المجالات، على سبيل الدراسة والتحليل، وفي بعض المناصب والمسؤوليات، وفي مجال الإعلام بمختلف وسائطه المعروفة، وعلى صفحات وسائل التواصل الاجتماعي.
وهذا ما جعل بعض دكاترتنا واساتذتنا ومثقفينا المهتمين باللغة العربية والغيورين عليها، يعكفون كل من جانبه على جعل تعليمها في متناول الجميع وبطرق شتى في التبسيط رغم المآخذ الكائنة على رؤية بعضهم في كيفية التلقين والتدريس.
هنادا طه دكتورة لبناية تدرس اللغة العربية في جامعة زايد بالإمارات العربية المتحدة، ولها تجربة معتبرة في ميدانها، حيث نشرت العديد من الابحاث والكتب، وأعدت منهاجا تراه كفيلا بتعليمها للناطقين بها ولغيرهم.
تقول الدكتورة ” لو بيدي مسألة تعليم اللغة العربية في العالم العربي ، لأنهيت مسألة النحو والقواعد كليا من المدارس “وترى أن البديل حسب قولها هو ” أن نغمس الطلبة بالقراءة ، وأن نغمرهم باللغة العربية ، وأن نحيطهم بها من كل جانب ، ثقافة وعلما وفكرا “هنا أختلف شخصيا مع الدكتورة ، والخلاف لا يفسد للود قضية كما هو معلوم ، فرغم تجربتها المريرة التي أحترمها ، ورغبتها الجامحة في جعل اللغة العربية تجري على كل لسان ، إلا أنني أرى أن التعليم الناجح هو ذلك الذي ينبني على أسس مدروسة لا مجال فيها للعشوائية أو النظريات السطحية ، ومن هنا أشك في عدم جدوائية الطريقة التي تراها الدكتورة كفيلة بتعليم اللغة العربية بسهولة ، أظن أن ما ذهبت إليه لن يؤد سوى إلى لغة مشوهة ، وعرجاء لا تتوكأ على أية أسس يمكن أن تقومها أو تمنعها من أن تضل سبيلها.
فاللغة السليمة لا بد لها من قواعد ، هي في الأصل بمثابة إشارات على الطريق إلمؤدي إلى كيفية التمكن من ناصيتها ، بحيث يبعدك إتباع هذه القواعد ، عن أساليب الالتباس في معانيها ودلالاتها ، وعن الخلط بين جملها وعباراتها ، ويحول دون تبدد أفكارك في متاهات التلاعب بأغراضها وفنونها المتنوعة ، وبالتالي فمن الأجدر تبسيط هذه القواعد لا إلغاؤها نهائيا كما تقول الدكتورة ، ولعل ذلك من السهولة بمكان ، ولنا في تجربة الأستاذ الفلسطيني الكبير عارف حجاوي مثالا ، وهو الذي بحث في هذا الشأن وطلع علينا بعدة مؤلفات مفيدة في هذ الصدد ، نذكر منها على سبيل المثال كتابه ” اللغة العالية ” الذي تضمن تبسيطا مقتضبا لمختلف قواعد اللغة العربية ، يجعل الدارس يستنبطها دون عناء ويطبقها مع الوقت دون مشكلة ، وبذلك يكون هذا الأستاذ قد أسس لمنهاج جديد يستوفي الشروط اللازمة لسلامة اللغة العربية كتابة ، تراكيبا ، ونطقا ، ويحصنها من متاهات التدوال الخاطئ والفهم المبتذل .
فاللغة العربية قد يتكلمها الكثيرون ممن لم يقرأوا قواعدها، ولكن بطريقة عشوائية فيها الخطأ والصواب، وفيها الأصلي والدخيل، وعليه فهذه ليست لغة بالمعنى الصحيح، كونها أشبه باللهجة الغير مكتوبة والغير مقروءة، والتي هي عبارة عن خليط من الكلمات والمصطلحات الملتقطة من كل حدب وصوب، تتداخل فيها ثقافات متعددة نتيجة الإحتكاك وعشرة الدخلاء.
نحن اليوم نعيش في عالم تملكته العولمة حتى النخاع، وأصبح من سماته السرعة وجنوح البعض إلى القفز على دلالات الماضي وأبعاده في التأريخ لأصالة الأمم وعراقتها، وتجاوز مثل هذه المقومات الثمينة بأفكار ساذجة أملتها الآلة المتطورة بدل الفكر النير، والإنسلاخ والسطحية العمياء بدل الغوص في ماهية الأشياء والتشبث بالقيم والمعايير.
في عصرنا هذا أصبحت الآلة هي الذكية، وبات الإنسان غبيا للأسف، يسبح في ظلمات أوجدها صناع التكنولوجيا للتحكم في عقله، وهي التي جعلته يفتقد إلى نعمة التأمل والإدراك لماضيه وحاضره، وإلى ما سيؤول إليه مستقبله.
محمد حسنة الطالب كاتب وصحفي سابق بتلفزيون الجمهورية العربية الصحراوية الديمقراطية.