الأحد
2024/09/8
آخر تحديث
الأحد 8 سبتمبر 2024

يجب الحفاظ على النجاح بعيدا عن المحاصصة السياسية وعن تأثير لوبيات الفساد

5 أغشت 2024 الساعة 14 و19 دقيقة
يجب الحفاظ على النجاح بعيدا عن المحاصصة السياسية وعن (…)
طباعة

كنت عبّرت في فترة الرئيس المرحوم سيدي ولد الشيخ عبد الله، عندما تم الحديث عن بيع اسنيم، أن بيعها سيكون خيانة عظمى على اعتقاد مني أنها فكرة الليبراليين حينها في مقالين مبررا ذلك بقوة وشدة . وهكذا أكرر أن اخضاع اسنيم للتجاذبات السياسية والمحاصصة الجهوية في فترة تعافيها ونجاح مشارعها ، وتمشيا مع رغبة لوبيات الفساد في الاستحواذ عليها سيكون أيضا تراجعا عن أهداف الإصلاح ووأدها في مهدها.
وهكذا بعد تعيين المختار ولد اجاي وزيرا أولًا، عدنا إلى الحديث عن التوازنات الجهوية والقبلية لنضرب نية التغيير والإصلاح والحفاظ على الكفاءات التي أطلقها الرئيس عبر توجهه الجديد الصارم والقوي في محاربة الفساد. وهكذا أخذت بعض الأوساط النافذة داخل النظام في مماحكاتها للإطاحة بمدير اسنيم لأنه لم يمنحها الصفقات ولم يعمل على مرضاتها لأنه لا يريد التدخل في منهجية صفقات اسنيم، ولا آلية بيع الخامات التي يسعى كل واحد من هؤلاء لتقديم شركاء أجنبيين لنفس الغرض. وهاهم اليوم يجدون الفرصة الذهبية في قضية التوازنات الجهوية من أجل التخلص منه والعودة بالشركة إلى خدمة المصالح الذاتية، ومربع عدم استقرار الإدارة الذي وضعها على حافة الإفلاس دون أن تهمهم النتيجة الوخيمة لذلك على الشركة وعلى الدولة. فقد عرفت اسنيم بين سنة 2005 و2020 عشرة مديرين أي معدل سنة و9 أشهر للمدير الواحد فبأي منطق يمكن أن نضع أي استراتيجية أو نبحث عن نتائج إيجابية !، مما جعلها تتخبط وتدخل في مرحلة فساد وكساد كبيرين . .فهل الهدف هو تطوير الشركة وتنميتها واستقرار استراتيجيتها أو العودة بها للتخبط والتغيرات المستمرة ؟
من المعروف أن الشركات بحجم اسنيم لا يمكن أن تتطور إلا في ضوء استقرار في النمط والسياسة الإنتاجية والرؤية وتدريب العمال عليها. لقد استفادت الشركة من تعيين محمد السالك ولد هيين عليها 1985 حينما لم يبقى أمامها إلا أن تغلق أبوابها ، بهدف أن تظل حية ترزق ، وحولت لها الدولة ديونها الخارجية خلال عقد التسعينيات لأجل ذلك الهدف وتم منحه الوقت الكافي خاصة عندما ما عبر عن النجاح في تلك المهمة عمليا . وقد تم الحفاظ على ولد هيين عشرين سنة وقد كان السر الأساسي وراء نجاحه في تلك المهمة هو وجود استراتيجية محددة وحمايته من ضغوط اللوبيات في السلطة وبسبب استقراره ومن خلال منحه كل الصلاحيات لذلك بما في ذلك ضع نمط من الصرامة والابتعاد عن السياسية وعدم جعل خدمة النظام سياسيا من مهامها ،لكنه لم يتمكن من تطويرها بسبب الصعوبات في اسعار الحديد ، فقد حافظت على نفس رقم الانتاج منذ بداية الإنتاج 1963ما بين 10 مليون طن إلى 11,8 مليون طن في أحسن الأحوال. لكنها بين 2005 و2020 راكمت مجموعة كبيرة من المشاكل أهمها الديون والفساد وعدم وضوح الرؤية وانعدام استراتيجية وعدم التراكم بالنسبة للمشاريع والخطوات الناجحة ، فقد ترك تعيين 9مدراء ما مجموعه 54 مليار أوقية من غطاء الغيار غير القابلة للاستخدام في المخازن و 54 مليار أوقية ديونا على العمال مع إضراب عميق كسر معنويات وانتماء العمال للشركة وترك شرخا اجتماعياً عميقا بين العمال والإدارة، إضافة إلى فشل مشروع گلب 2 وبيع بعض احتياطها الاستراتيجي، معدن افديرك الغني ، ووقوعها ترزح تحت أكثر من 180 مليون دولار من الديون الخارجية وقد تطلب التخلص من هذه الوضعية الأخلاص للشركة وللبلد وحسم القرار بالنسبة للقضايا المهمة وهو ما وقع بالفعل . وهنا فقط يجب النظر إلى النتائج التي تحققت منذ 2021 بعيدا عن السياسية وعن رغبة نافذين في الدولة ومتقاعدين كبار من العسكر و صحفيين و سياسيين في الحصول على مزايا شخصية باسم دعم النظام من خلال اسنيم .
كان أول ما تحقق هو رأب الصدع مع العمال وعودة الثقة وسلوك الانتماء للشركة كجزء أساسي من حياتهم ومستقبلهم، ولذلك اندمجوا في التزامات تطوير الانتاج بقوة خلال 2022وما بعدهاوكانز جهودهم أساسية في تحقيق الزيادات المتتالية في الانتاج التي رفعتها الادارة مشعار للسنوات المتتالية 22/23.
كان الأمر الثاني هو خلق إطار استراتيجي لتطوير الشركة نابع من تصور العمال ومعرفتهم بالشركة والعقبات التي تعاني منها ، وهو التصور الذي تمت صياغته في إطار مهني من طرف مكتب خبرة دولي. وقد تم وضع إطار استراتيجي لتنمية الشركة بالتشاور مع الدولة من خلال قطاعاتها المعنية، وتم عرضه على مجلس الادارة، وتمت المصادقة عليه والالتزام به كخطة طموحة لتطوير الشركة نالت بها ثقة الممولين والشركاء .
وقد كان وراء التوصل لهذه الاستراتيجية مجموعة من العوامل أولها مصداقية اسنيم لدى الممولين حيث شطبت على ديونها عام 2021 حتى قبل الآجال بما قيمته 180 مليون دولار، الأمر الذي سمح لها بأن تكون على استعداد لمشاريع الشراكة الخارجية بقيمة 5مليار دولار في مشروعي العوج وأطوماي من أجل إنتاج 36مليون طن سنويا خلال خمس سنوات قادمة. وهذه الشراكات الخارجية ستملك منها اسنيم نصف رأس المال كما ستتمكن من زيادة الأرباح من خلال مضاعفة عمل بنيتها التحتية (الميناء والسكة الحديدة) بالضعف .
في حين أنها تخطط لوحدها من خلال برنامجها الانتاجي إلى إنتاج 24 مليون طن من مشاريعها الخاصة ( افديرك وگلب 2 وتيزرغاف) بعدما وصلت سقف 14مليون طن 2023.
كما استطاعت اسنيم أن تحافظ على مستوى قياسي من توزيع الأرباح في السنوات الأخيرة رغم تراجع سعر الخام وارتفاع سعر المحروقات ، فقد ساهمت خلال هذه السنوات الثلاثة ب 260 مليار أوقية قديمة في خزينة الدولة من الأرباح فقط .
هذه الوضعية التي وصلت إليها الشركة في هذا الظرف بواسطة التنظيم والتخطيط والصرامة، وبسبب وضوح الرؤية والأهداف والابتعاد بها عن السياسية وعن الرضوخ لضغوط "أهل نواكشوط"مستمدة صلابتها من دعم الارادة السياسية لها متمثلة في شخص الرئيس حيث حصلت من خلاله وفي فترة وجيزة على خط تسيير واضح على التعافي وعلى القدرة على تبني استراتيجية للتطوير نالت ثقة الممولين، فهل ستكون نتيجة ذلك التضحية بهذه الجهود والخطوات لإرضاء نافذين، أو أهل صالونات نواكشوط؟
إن أي تغيير في إدارتها حاليا لن يفهم خارج هذا السياق لأنه غير مبرر بضعف الأداء ولا بضعف الحصيلة ولا بتراكم المشاكل ولا بغياب برنامج للتطوير ولا بسبب الديون ولا بسبب الفساد أو السوء التسيير ، كما سيغير من نظرة الشركاء في جدية الدولة اتجاه تنمية وتطوير الشركة التي يتم تغيير إدارتها الناجحة وفي ظرف حساس بالنسبة لتنفيذ استراتيجية كانت تعمل عليها مع عدة أطراف وبدأت تنفيذها لا لشيء سوى حسابات سياسية أو أنانيات فردية دون حساب خطورة التغيير على هذه الاستراتيجية ودون حساب أهمية هذه النتائج التي تحققت والحفاظ عليها ، وسيكون في المحصلة ضربة لفكرة الإصلاح نفسها وربط الدولة بمبدأ المحاصصة الجهوية والقبلية على حساب الكفاءة والنتائج.. فهل هناك مسوغ لذلك ؟!!!!
وفي جميع الأحوال عندما يكون البحث عن النجاح والكفاءة هو الهدف فليس من الموضوعي الحديث عن المحاصصة ففي فترة المختار ولد داداه رحمه الله وهو من هو في النزاهة كان هناك وزيران أبناء داداه في الحكومة أو وزير موظفين سامين من نفس المحيط لكنهما كانا من أكثر الأطر كفاءة حينها ..كما أننا نلاحظ أن هناك ثلاث وزراء إلى جانب رئيس الجمهورية إثنان منهما وزراء سيادة من ولاية لعصابة .
دعونا في ما نحن فيه من البحث عن الكفاءة والإصلاح وليس العودة إلى عاداتنا القديمة.

من صفحة الإعلامي والمحلل السياسي محمد محمود ولد بكار