الاثنين
2025/02/10
آخر تحديث
الاثنين 10 فبراير 2025

هل كان "الربيع العربي" إلا مقاولة على القتل والتدمير؟؟!!

8 يناير 2025 الساعة 14 و46 دقيقة
هل كان
طباعة

"قبل الدخول في صلب الموضوع يجب التذكير أن زعزعة الاستقرار عبر الاحداث الجارية في منطقة الساحل والصحراء والتي تمثل دولة مالي تصعيدا خطيرا لها هي العواقب الوخيمة لتدمير ليبيا ونتيجة لتدخل فرنسا السافر والمباشر والوحشي في تلك العملية إنها تدفع مع شعوب هذه المنطقة فاتورة ذلك التصرف الشنيع من خلال القضاء على وجودها في المنطقة غير مأسوف عليه "
1-الثورة أو الحريق
بعد 14 سنة على تلك العملية "الربيع العربي " التي ألبست ملاءة يخلط فيها (الشيطان مع الملائكة ) أصبح من اللازم معرفة ما هي نتائج هذه العملية بالنسبة للشعوب العربية وللشعارات وللمستقبل ..كانت الشعارات من أجل الحرية والديمقراطية لكن لم يكن ذلك تلقائيا ولا عفويا ولا نابعا من حاجة الشعوب نفسها. كانت هناك دول منتقاة من المنطقة العربية هي وحدها التي على شعوبها أن تثور وتطالب بالديمقراطية حسب خريطة الأحداث وكانت القيادة بيدي أصدقائنا أصحاب النسخة الإسلامية المعدلة في مختبراتنا على مراحل، بداية بالإسلام الوسطي وانتهاء بإسلام داعش والنصرة و"القاعدة المخصبة التي خرجت عن السيطرة " ، وهكذا كانت مجموعة العلماء القابعة في دول غير حرة وغير ديمقراطية هي التي تصدر الفتاوى للغوغاء الذين تأكلهم نار الفتنة ويحرقون بها دولا بكاملها ! لقد بُذلت جهود كبيرة لطمس الحقيقة بالشعارات المدنية لكن الخيط الناظم لهذه الاحداث أظهر الخلفية الحقيقية لتلك الاحداث. لقد استهدفت فقط الدول التي ترفض سيطرة الغرب عليها (نفطها أو قرارها السيادي ،أو صفقاتها والمعروفة بالعداء لإسرائيل أو تلك التي تمثل احتمالات الخطر على إسرائيل عندما لاتظل بأيدينا ) كانت الديمقراطية تعني موجة من الموت من الدمار ومن التفجير من الداخل وإزاحة النظام العام وكل مظاهر الاستقرار والانسجام واللحمة الوطنية حتى يكون الدمار عميقا. دعونا نتوقع تدمير الصين حالا باسم الديمقراطية من أجل وجود نظام صالح ! ما معنى نظام صالح بالمفهوم الغربي؟ هو أن يؤمن بضرورة التبعية والخضوع للغرب وأن يسخر اقتصاده للهيمنة الاقتصادية الغربية ويستخدم الادوات الغربية في نظامه ومع ذلك يعرف الجميع أن النظام الصيني صالح للصين وللصينيين ولإفريقيا ودول العالم الثالث فهو يوفر ظروف الازدهار والأمن والأمان للصينين ويفتح شركات اقتصادية لاغبار عليها من تسلط أو إمبريالية مع العالم الآخر دون أي اعتبار للقوالب الغربية،لقد بدأت محاولة مفهوم اغراق العالم بالفوضى من الصين في محاولة الغرب لدعم مظاهرات الطلاب الصينين في ساحة تنيانمن أو ما أطلق عليه الغرب حركة 89 الديمقراطية وقد باءت بالفشل الذريع . بينما بدات في العالم العربي بالعراق مرتين 1991و 2003 كانت الدول التي تم تدميرها من أجل الديمقراطية يتمتع فيها المواطن قبل ذلك بالتعليم والصحة والماء والكهرباء ودعم الأنشطة مجانا كما شهد بذلك بيرلوسكوني رئيس وزراء أيطاليا بعد اغتيال القذافي …. لقد كانت درجة الأمان الشخصي عالية جدا وكانت سيادتها بيدها وكانت تدعم القضايا العادلة في العالم وترفض زيادة تدفق النفط لمصلحة الغرب ومع ذلك تجاوز عدد القتل والبشاعات في مشروع الدمقرطة العربي ملايين البشر من أجل تغيير هذه الوضعية التي تنعم فيها الشعوب العربية بالحياة الكريمة وكان من أشهر مظاهر بشائر الحرية حسب البدائل المقترحة من الغرب هو سجن أبو غريب وحل الدول مباشرة لتعم الفوضى . ومع ذلك يظل تاريخ الأنظمة الديكتاتورية كما يسمونها مجتمعة وعلى مدى عمرها أقل بشاعة من يوم واحد من أيام هذه "الثورات". كان لهذه التدمير أبعاد خطيرة بالنسبة لكيان الدولة خاصة فيما يتعلق بمراكز ووزن هذه الدول وهيبتها التي تعبر عن تاريخ كامل من الاحداث فقد كانت جوازات وأعلام هذه الدول تختزن الكثير من الاحترام والتقدير وكان وجودها في الديبلوماسية الدولية غاية في الأهمية وله تأثير إيجابي ملموس على القضية الفلسطينية وعلى قوة الدول الواقفة لجنب العرب روسيا وإيران وتدعم تبلور رؤية أو محور دولي جديد ،لقد كانت هذه الدول تأخذ تلك القوة من النظرة لزعمائها إزاء الغرب والصراع العربي الفلسطيني واستخدام الإمكانيات في ذلك ، وما يلقى ذلك من دعم ورواج لدى الشعوب العربية وقد اظهرت نهايتهم درجة التزامهم بقضاياهم وأن المسألة لم تكن رهانات شخصية بل رهانات أمة كان لكل واحد منهم القدرة على التفاوض على نفسه وأسرته وكان بإمكان كل واحد منهم أن تكون له كنوز في الخارج فلم يكن أي شيء من هذا القبيل بل فضلوا تلك النهاية الشرفية المأساوية التي تترجم الشجاعة والالتزام بالمبادئ، وذلك هو السبب الرئيس لاستهدافم لقد كان القاسم المشترك هو اقتلاع قلاع التحرر والتمرد على الغرب. وبالنسبة لليبيا كان القذافي يأخذ معه القارة الأفريقية مدعوما من جنوب إفريقيا ومن مصر والجزائر في حدود معينة، وكان يلتقي في هذا التمرد مع الصين وروسيا وفينزويلا ضد قواعد الهيمنة الأمريكية :
 النظام الدولي خاصة من خلال أطره التنظيمية مجلس الأمن والأمم المتحدة ومحكمة لاهاي -النظام الاقتصادي ضد اسويفت والدولار والبنك الدولي .
لقد نضجت البدائل التي رفعها التي هي الذهب بدل الدولار وادخال العملات الأخرى اليوان في تسويق السلع العالمية الكبرى مثل النفط والسكر والقمح وفتح مؤسسات الأمم المتحدة لمعايير تمثيلية عادلة وبذلك تدخل الهند وجنوب أفريقيا والأرجنتين ومصر ضمن الدول الدائمة العضوية في مجلس الأمن كانت مبادرات قوية لكسر الهيمنة لقد تُرك ذلك في الخلف وتم رفع شعار الديمقراطية ضدهم لإسكات هذا الكلام . أوليست الديمقراطية صالحة للخليج مثلا !! وهنا وقبل غلق القوس يجب أن يُفهم أن تخلى الأسد عن السلطة ليس جبنا لكنه تفاد لحملة تدمير شرسة دون القدرة على المواجهة في حدود القوة الضرورية لإبقاء الحرب خارج المدن تفاديا للتدمير وهكذا عندما فَقَد كل الحلفاء حزب الله وايران وروسيا في مواجهة محور الشر هو تركيا وإسرائيل والولايات المتحدة الإمريكية كان عليه الانسحاب تاركا الساحة من دون اقتتال لكن لمن ياترى؟ لمن لهم سجل حافل في القتل: 380 ألف قتيل .لقد تم تدمير بنية الجيش السوري الاستراتيجية اليوم الثاني بعد نجاح "الثورة "من طرف إسرائيل وتم دخول عناصر الجيش الاسرائيلي عنوة وكذلك عناصر المخابرات الأمريكية والتركية لوضع اليد على كل إمكانيات سوريا الاستراتيجية في حين ذكرت السلطة الجديدة علمها بتلك العمليات بينما قال رئيس الموساد السابق أنهم لم يكونوا يدعمون هذه المعارضة بل كانوا يسدّدون رواتبها وقد كانوا أيضا يعالجون في المستشفيات الاسرائليه ! كما تخلت الولايات المتحدة عن المطالبة بزعامائها على لوائح المجرمين الأكثر بشاعة ودموية بعد حصولهم على السلطة ! أين الشرف أو الوطنية ياللعجب ! وفي هذا الخضم يبقى السؤال الذي يجب أن لايغيب عن أي أحد أليس الهدف أن تصبح هذه الدولة ديمقراطية وحرة وقوية فأين ذلك ؟ !!! .او لنثير التساؤل على نحو آخر في ملاءة السوء هذه كيف ستعود هذه الدول لمكانتها الأولى على الأقل قبل الاستمرار في الحديث عن تداعيات ذلك الانهيار المريع بمقاولة القتل التي يقودها الأبناء ؟
2- تداعيات الحريق العربي على النظام العربي والدولي
لقد تطورت تداعيات ذلك الانهيار إلى العالم ،فقد كانت لدينا بنية عربية تشكل على الأقل صرحا لبعض المواقف ضد إسرائيل وتتناغم مع احرار العالم وكانت هناك قوة عربية مادية وديبلوماسية قادرة على التحرك والتأثير يخشاها العدو خاصة في دهاليز القرار الدولي ويمتد تأثيرها في أفريقيا وأمريكا وآسيا وحتى في أوروبا نفسها فعلى المستوى الدولي كان هناك حلف جديد يتشكل : روسيا والصين وإيران وليبيا وسوريا وجنوب إفريقيا والأرجنتين ، والجزائر واليمن ، ونسبيا "تركيا ذات الوجهين " والأرجنتين وفنيزويلا وكوبا وغيرها.. اليوم سقطت العراق وليبيا وإيران وسوريا ويتطلب عودة روسيا التي وضعت في حرب استنزاف، حرب دولية محورها روسيا واوكرانيا وممولها الغرب . وتغييب إيران "التي مشكلتها اختراق السلطة "وهكذا لن يرى هذا الحلف النور قريبا .
وعلى مستوى الدول العربية متى سيكون النهوض ؟.
المشكلة الكبيرة هي تحطيم الانسجام والتوافق واللحمة الوطنية ثم أن التدمير كان بتخطيط أجنبي والذي من ضمن أهدافه السيطرة على الثروة من خلال وضع اليد على الصفقات ذات الغلاف الضخم لذلك كان التدمير هو الهدف الأول لهذه العملية فحتى قبل تأجج المظاهرات ، ففي ليبيا مثلا حينما كان بيرنار ليفي الصهيونى من أصل فرنسي يجمع معارضة صورية في بنغازي لأجل زرع بذرة التمرد استهدفت الطائرات الفرنسية والبريطانية والصواريخ الآمربكية التي تدفع قطر فاتورتها ،المعسكرات ومصافي النفط والجسور والمصانع والمستشفيات أي البنى الاقتصادية والاجتماعية في طرابلس 1200 كلمتر تقريبا من بنغازي يالها من ثورة شعبية ! لقد كانت الأهداف واضحة نفس طريق الولايات المتحدة حينما غزت العراق تحت ذريعة امتلاكه للأسلحة النووية رغم عدم حصولها على قرار من مجلس الأمن. وقد قال وزير الخارجية الأمريكي كولن بأول أنهم لن ينتظروا حتى يتصاعد دخان هذه الأسلحة وأن العراق في حالة خرق مادي لقرار مجلس الأمن 1441/2002 وكذريعة ليتدخلوا وقد كانت أكبر أوسوأ كذبة في التاريخ، لكن الهدف كان جليا وضع اليد على هذه الموارد ووضع سلطة عميلة تضمن ذلك ثم كسب عقود إعادة الإعمار .
لقد تكلفة تدمير العراقي التي من ثلاث أغلفة :غلاف تعويض للجيش الامريكي تكاليف الحرب وهو رقم فلكي بمليارات الدولارات وغلاف الأمن الذي تجاوز عقود ب ا 500 مليون دولار لشركات أمنية امريكية رغم أن الأمن لن يتحقق إلا في المنطقة الخضراء المربع الحكومي في بغداد وغلاف أعادة الإعمار واعادة بناء الجيش والمؤسسات النفطية والبنية التحتية أرقام فلكية تتجاوز تريليونات الدولارات و ستظل صغيرة أمام إعادة بناء الثقة في الدولة واللحمة بين الشعب الواحد وعودة العراق لمركزه العربي والدولي وإشعاعه الفكري والثقافي .
3-ماذا تحقق من أهداف "الربيع العربي "
هل الحرية السياسية تساوى هذه الفاتورة .ومع ذلك لم تتحقق تلك الحرية نهائيا ! تقول مجلة الإيكونومست الابريطانية "باتت المنطقة أقل حرية مما كانت عليه قبل عام 2010، وربما أصبحت أكثر غضبا، وبعدما هزتها الحروب وتضيف في نفس الملف عن الربيع العربي "ان الديمقراطية وصلت أخيرا إلى العالم العربي.. لكن وبعد مرور عقد من الزمن فإن أحدا لا يحتفل بها"
وتقول صحيفة " الجارديان" البريطانية أيضا، وكلاهما في رصد الحالة في البلدان العربية، التي شهدت ما عرف بـ"ثورات الربيع العربي"
أنها لم تثمر إلا تجربة واحدة عن نتائج مستمرة، في بلد محمد بوعزيزي، تونس، بينما فشلت بشكل بائس في مصر، وانتهت بانقلاب عسكري، أما في اليمن وليبيا والأسوأ في سوريا فقد انزلقت نحو حروب أهلية لا نهاية لها وتدخلات أجنبية".
. ففي عنوان كتاب للكاتب الأمريكي نوا فيلدمان "الشتاء العربي"،يتحدث عن عسكرة الثورات وصعود التطرف الديني واندلاع الحروب والنزاعات. على غلاف الكتاب الخلفي ،كتب الأكاديمي البارز مايكل إغناتيف
‏‎ أن المؤلف يسلط الضوء على "أحد أهم الأحداث في عصرنا: الفشل المأساوي للربيع العربي
ففي ليبيا، توزّع الثوار بين ميليشيات لا تعدّ ولا تحصى، وتصارعوا مما أدّى إلى تفتيت البلاد"
لقد كانت فاتورة الحريق العربي باهظة بكل المقاييس لكن الأسوأ أن هذا التدمير بتمويل من الأموال العربية خاصة الخليجية والقطرية على وجه الخصوص 77 مليار دولار كانت مساهمتهم في هذا التدمير ذهبت لفاتورة الطيران الأجنبي وثمنا للصواريخ وتأجير القتلة وتكوين جيوش "الثورة " فكيف لو صرفت في دعم العمل العربي أو في تنميته دوله الضعيفة .
لقد تم دمير بنية الدولة العربية ومواردها واقتصاداتها لأطول مدة في تاريخها علينا أن نعود لميزانياتها السنوية وحجم الانفاق على بنيتها خلال حكم القذافي أو صدام حسين مثلا لنعرف حجم الدمار وفاتورة الإعمار ، وبعد هذا مرة أخرى هل تحقق الهدف المنشود للثوار وهل كان هناك هدف يمكن أن نخمن كم نسبة تحققت منه ؟ لا أبدا. وهنا هل يمكننا أن نطلق على هذه العملية شيء آخر غير مقاولة المعارضة على تدمير شعوبهم وبلدانهم وبالتالي تحقيق اجندة العدو وجر العالم العربي لقرون للوراء فلم تعد هناك أي بنية لمفهوم الصراع العربي الاسرائيلي، ولم تعد هناك أي بنية لنهوض هذه الدول ذاتيا فكل مواردها اليوم مقسمة بين مجموعة من الدول الاجنبية بالإضافة إلى الديون مقابل الأمن ودعم الصراع والتقسيم فكل فريق يتلقى الدعم من جهة دولية يدفع لها بالمقابل من حصته من فريسة بلده ويدفع التنازلات التي أساسها التخلف والتبعية.
ومن هنا يحق لنا التساؤل أين ثمار الربيع العربي المنتظرة ؟الحقيقة أنها لم تزهر كما توقع الحالمون ولا يدري أحد متي ستتوقف .

من صفحة الإعلامي والمحلل السياسي محمد محمود ولد بكار