الأربعاء
2025/09/10
آخر تحديث
الأربعاء 10 سبتمبر 2025

موريتانيا بين إرث التبعية وفرص المستقبل: الانضمام إلى الحلف الصيني–الروسي–الكوري كخيار استراتيجي

منذ 5 ساعة
موريتانيا بين إرث التبعية وفرص المستقبل: الانضمام إلى (…)
طباعة

في البداية يجب فهم أن انضمام موريتانيا إلى الحلف الصيني–الروسي–الكوري فرصة تاريخية لإعادة صياغة موقع موريتانيا الاستراتيجي وبناء اقتصاد قوي ومستقل والعودة بدورها التاريخيّ في الاستراتيجيات الدولية كما كانت في عدم الانحياز وتصفية الاستعمار والقضية الفلسطينية والتوسط بين محور الغرب والشرق .
 في السياق
تمرّ موريتانيا بمرحلة مفصلية في تاريخها السياسي والاقتصادي، وسط تحولات عميقة يشهدها النظام الدولي. فبعد أكثر من ستة عقود على الاستقلال، ما تزال البلاد تعاني من الفقر والتبعية الاقتصادية والثقافية للغرب. وفي المقابل، يتشكل محور دولي جديد بقيادة الصين وروسيا وكوريا الشمالية، مدعومًا بقوى صاعدة كإيران، وتركيا، والبرازيل، وجنوب إفريقيا والجزائر وفنزويلا يسعى إلى إعادة صياغة النظام العالمي على أسس أكثر عدلاً واستقلالية.
وفي هذا السياق، يطرح سؤال جوهري نفسه:
هل يمكن لموريتانيا أن تجد في هذا الحلف فرصة تاريخية لبناء اقتصاد قوي ومستقل، بعيدًا عن قيود التبعية للغرب؟

أولاً: التحولات في النظام الدولي
1. صعود المحور الشرقي
• الصين: ثاني أكبر اقتصاد عالمي بنسبة 17.3% من الناتج الإجمالي (2023)، بعد أن كانت لا تتجاوز 2.7% عام 1980.
• روسيا: صعود اقتصادي ملحوظ رغم العقوبات، بحصة 3.5% وفق تعادل القوة الشرائية (PPP)، إلى جانب تفوق عسكري متزايد.
• كوريا الشمالية: رغم العزلة والعقوبات، أصبحت ضمن أقوى 10 جيوش في العالم بفضل برنامجها الصاروخي المتقدّم.
2. تراجع النفوذ الغربي
•انخفاض حصة الولايات المتحدة من الاقتصاد العالمي من 40% عام 1960 إلى نحو 26% عام 2024.
•تآكل ثقة الدول النامية في النظام الغربي بسبب الهيمنة السياسية والوصفات الاقتصادية المرهقة والاستنزاف المستمر للموارد.
3. معالم النظام الجديد
• توجه دولي لإنهاء أحادية القطب.• تعزيز الاقتصادات الوطنية ونقل التكنولوجيا.• سعي لإنهاء هيمنة الدولار على النظام المالي العالمي.
ثانيًا: العلاقات التاريخية لموريتانيا مع المحور الشرقي
1. مع الصين
• شراكة تمتد منذ الاستقلال:
• دعم عضوية الصين في الأمم المتحدة عام 1963 بوساطة الرئيس المختار ولد داداه، عبر زيارته الرسمية للولايات المتحدة واقناع كندي بتغيير موقفه بشأن الوقوف ضد دخول الصين للأمم المتحدة .
• زيارة رسمية تاريخية للصين عام 1967 تخللتها وساطة ناجحة بين الصين وعبد الناصر
• إنجاز مشاريع استراتيجية: مرفأ انواكشوط الأول ثم ميناء الصداقة بنواكشوط، مشروع إمبوري للأرز الذي شكل بداية تجربة موريتانيا لزراعة الأرز ، دار الثقافة، المتحف الوطني، والمركب الأولمبي…
وقد ظلت الميزة الأبرز أن الصين لم تفرض ديونًا مرهقة أو شروطًا سياسية على موريتانيا ولم تتدخل في توجهاتها ، بل اعتمدت شراكة قائمة على الندية.
2. مع روسيا
• بدأت العلاقات عام 1966 باتفاقية تجارية، وتطورت لاحقًا في مجالات:
• الصيد البحري: تأسيس شركة MAUSSOV التي ساهمت بتصدير نحو 55% من إنتاج الأسماك الموريتاني بين 1985 و1987.
• التعليم: تدريب أكثر من 3,500 شاب موريتاني في الجامعات الروسية.
• التعاون الدفاعي: توقيع اتفاق عسكري شامل في يونيو 2021 وتعزيز الشراكات في الأمن والطاقة والتكنولوجيا.وتوج كل ذلك بزيارة وزير الخارجية الروسي الأولى من نوعها سيرغي لافروف حيث لبس خلالها الدراعة الموريتانية في رمزية كبيرة للعلاقات الوطيدة .
3. مع كوريا الشمالية
• بدأت العلاقات عام 1964 في إطار دعم موريتانيا لحركات التحرر. وتخللتها زيارات تاريخية:
• زيارة المختار ولد داداه لبيونغ يانغ عام 1967.
• زيارة كيم إيل سونغ لموريتانيا عام 1975، وهي الزيارة الوحيدة له خارج آسيا.
فضلا عن مساهمة كورية في بناء مقر الأمانة الدائمة لحزب الشعب ومشاريع صناعية مهمة مثل مركز النسيج الأول في العاصمة

ثالثًا: إخفاقات التبعية للغرب
على نحو استراتيجي يتبنى الغرب خطط دائمة لزعزعة السلم الأهلي ودعم النزعات العرقية والشحن العاطفي وتزكية رواد مشاريع التمايز وحشد الدعم والمصداقية لنشاطاتهم ودعواتهم والتمسك بهم كورقة تخريبية دائمة في وجه الحكومة لإخضاعها للتبعية له أو لتخريب وضعها الداخلي الوقوف دون تحديد مساراتها وخياراتها الثقافية والوطنية وخيار الهوية .
كما كانت نتيجة ارتباط موريتانيا على مدى أربعة عقود، بالغرب عبر قنوات البنك الدولي، وصندوق النقد، والاتحاد الأوروبي، سلبية في معظم المجالات وقد أدت باختصار إلى :
• شلل المبادرات الوطنية بسبب سياسات التكيّف الهيكلي والمواءمة الاقتصادية .
• تراجع القدرة الشرائية للمواطن.
• غياب طبقة متوسطة فاعلة.
• استنزاف قطاع الصيد عبر اتفاقيات غير متوازنة مع الاتحاد الأوروبي، حرمت موريتانيا من تطوير صناعة صيد محلية قائمة على القيمة المضافة ونقل الخبرة .
في المقابل، أثبتت الشراكات مع الصين فاعليتها، مثل مساهمة شركة هونغ دونغ في بناء مصانع وقوارب ساهمت وفي طوير قطاع الصيد التقليدي.

رابعًا: البعد الأمني والجيوسياسي
تقع موريتانيا في قلب منطقة الساحل الملتهبة ، وهي اليوم أمام تحديات أمنية كبرى:
• تصاعد نشاط الجماعات الجهادية في مالي وبوركينا فاسو والنيجر.
• انتقال التهديد نحو الساحل الأطلسي (غانا، بنين، توغو)
• تدفق أكثر من 300 ألف لاجئ إلى الحوض الشرقي حتى عام 2025.
• ظهور تحالفات إقليمية جديدة مثل AES (مالي، بوركينا، النيجر) التي تعزز تعاونها مع روسيا.وتتهم موريتانيا بنوع من المعاداة بسبب حفاظها على علاقة قوية بفرنسا وشمال الأطلسي
ورغم نجاح موريتانيا في الحفاظ على استقرار نسبي عبر إصلاحات دينية وأمنية منذ 2010، إلا أن استمرار الاعتماد على الغرب في التمويل الأمني يحد من خياراتها الاستراتيجية.

خامسًا: فرص وتحديات الانضمام إلى الحلف الشرقي
سيحقق الانضمام اهذا الحلف :
ا• نقل التكنولوجيا في مجالات الطاقة المتجددة، الغاز الطبيعي، والذكاء الاصطناعي.
• تعزيز القدرات الدفاعية عبر شراكات عسكرية غير مشروطة.
• تطوير الاقتصاد الوطني عبر استغلال الثروات المعدنية والزراعية والسمكية.
• الاستفادة من السوق المشتركة لدول الحلف التي تمثل أكثر من 36% من الناتج العالمي.
 التحديات:
قد تواجه موريتانيا إثر انضمامها السريع لهذا الحلف مخاوف غربية كبيرة بوصفها الحليف الوحيد لها والشريك الرئيس في المنطقة مما سيشكل ضربة تستدعي موقف حاسم قد يكون إيجابي للحفاظ عليها من قبل تدفق الدعم وتطوير وتيرة التعاون الذي يضمن صمود موريتانيا في وجه التحديات وقد يكون سلبي لردها مثل وقف الدعم ، وربما احتمال فرض عقوبات غربية عليها وإن كان ذلك قد يخلق مضاعافات سلبية على التعاون في مجال الهجرة والتنسيق الأمني بشأن الارهاب وتعقّد التوازن الدبلوماسي بين الشركاء التقليديين (الاتحاد الأوروبي) والحلف الجديد الصيني الروسي ،لكن قوة الدول دائما تبنى تحت الضغط .
وهكذا سيكون انضمام موريتانيا إلى الحلف الصيني–الروسي–الكوري فرصة تاريخية لها لإعادة صياغة موقعها الاستراتيجي وبناء اقتصاد قوي ومستقل. غير أن تحقيق ذلك يتطلب رؤية وطنية شاملة ترتكز على:
•تنويع الشراكات الدولية دون القطيعة الكاملة مع الغرب.
•استثمار الثروات الوطنية في إطار نقل حقيقي للتكنولوجيا.
•تعزيز الاستقلالية الدفاعية والاقتصادية.
إن التاريخ لا ينتظر المترددين. وأمام القيادة الموريتانية،وفي مقدمتها الرئيس محمد ولد الشيخ الغزواني، خيار حاسم:
إما البقاء في دائرة التبعية والفقر، أو الانفتاح الجريء على القوى الصاعدة لبناء موريتانيا قوية ومستقلة.

الإعلامي والمحلل السياسي محمد محمود ولد بكار