الجمعة
2025/03/28
آخر تحديث
الخميس 27 مارس 2025

هل فهم ولد اجاي حقا حاجتنا للبدايات؟(الحلقة الأولى)

9 فبراير 2025 الساعة 17 و25 دقيقة
هل فهم ولد اجاي حقا حاجتنا للبدايات؟(الحلقة الأولى)
طباعة

كل بلد يحتاج لبدايات.
ليست البداية مرتبطة بالنشأة، وليست بمعنى الثورة، بل هي حالة تنظيمية يتم فيها وضع كل شيء في مكانه وترتيبه ليظل يعمل بصفة جيدة، وهي ممكنة في أي وقت. البدايات هي التي تطورت وتغيرت بها أوضاع الدول مثل الإمارت وتركيا والنمور والصين وغيرها … وهي ضرورية آلى أبعد الحدود بالنسبة لنا. صحيح أنها ستكون، في حالتنا، معقدة مثل كل بداية في بلد يعيش مسارا تراكميا للفشل، وهي بذلك تتطلب مجموعة كبيرة من الشروط أهمها الإرادة بها ، ثم التشخيص، والاعتراف بالحالة القائمة، وتصور الحلول الجذرية التي تجعل الأمور قابلة للعودة لنقطة التوازن ومن ثم الانطلاق ، وتصور الحل، وتنفيذه، ومن ثم المتابعة. إنها سلسلة من الأعمال والتصورات تقوم على الجدية والمثابرة،، يحتاجها أي قطاع أو أي مؤسسة مهمة في البلد لأن كل شيء عند نقطة الإفلاس. البدايات هي التي تتيح الاطار الوظيفي للعمل :المواكبة والاستمرار والتراكم والتطوير والتقييم. لقد بدأنا من دون أي بدابة، ومن ذلك الحين ونحن لم نحقق أي نجاح رغم أننا كنا شهودا على النشأة من لا شيء. كل شيء بدأ كيفما اتفق بخبطة عشواء دون أي تخطيط ولا تفكير في المستقبل، ففي سنة 1957 كان سكان نواكشوط 300 شخص تقريبا، وبعد عشرين سنة صاروا 150 ألف نسمة. هل كان هناك توقع في خطط الدولة لذلك ؟هل المؤسسات الخدمية مبنية على مثل هذه التحولات وسرعتها ؟ كانت نواكشوط عبارة عن حيين: تفرغ زينة ولكصر. وخلال نفس المدة صارت خمس مقاطعات !فهل تطورت المؤسسات الخدمية لمواكبة ذلك وبتلك السرعة !؟ لم يكن ذلك متاحا بالفعل، لا في التصور ولا في الجاهزية ولا في العمل، بل ظلت هذه المؤسسات وتلك القطاعات في تعثر دائم وتخبط راكم الفشل وأدى إلى حالتنا اليوم التي من المفيد جدا أن لا تسأل عنها. إنها كارثة.
البداية التي نحن بحاجة لها هي التفكير لحل هذه المعضلات بصفة دائمة وترتيبها لتظل الأمور تسير بطريقة طبيعية وتتطور وفق التحديات دون اللجوء، كل مرة، للحلول التلفيقية أو الاسعافية .
المعضلات الكبيرة التي اعترضت النشأة ما تزال كما كانت في الجوهر، لكن الأدهى أن الأمور التي كانت تتطلب بدايات صغيرة ظلت من دون بدايات. وهكذا نجد مشكلة الكهرباء والماء والصرف الصحي واستيراد وتوزيع الدواء وآلية منح الصفقات العمومية وغيرها.. نجدها كلها تتفاقم كل عام في عمق سياق الأزمة وتبقى المعضلات هي نفسها : عدم الاعتراف بوضعها الحالي كمشكل استراتيجي مركب يدعم التأزيم والتأجيج ويدفع البلد للهاوية.
وضعيتنا الكارثية أو حالتنا الآن ليست لسبب واحد يكمن في أننا دخلنا الحياة المدنية من دون شروطها، لكن لأننا لم نتوقف يوما للتفكير بجدية في أسباب هذه الحالة رغم تجاوزها حدود الإصلاح، وأننا من دون وقف التدهور الحاصل في المؤسسات الخدمية لن نتمكن من الوصول لأي بداية. على سبيل الميثال، ظلت مشكلة الشرب مطروحة، والكل يعرف أن "إديني" لا يمكنه سقاية نواكشوط الذي تزداد كثافته بسرعة فائقة، والمعطيات الأساسية التي تتيحها البدايات والتفكير حول المستقبل ليست ضمن فكر الدولة. وهكذا وصلنا لنتيجة مخيفة : لا تصور جوهريا لمشكلة مدينة نواكشوط في أبعادها الثلاثة، فالمدينة تقع على نهر من مياه الأمطار ومياه الاستخدام المنزلي ومياه البحر منذ ستين سنة، ودون صرف صحي وتتمدد على الأرض على نحو يضيف معوقات جديدة على توزيع وتوصيل المياه والكهرباء والصرف الصحي، وثلث مدينة نواكشوط لا يشرب بصفة منتظمة، والشركة المسؤولة عن ذلك غارقة في الإفلاس بمعدل 700 مليون شهريا من الخسارة بين التكاليف ( 1,3 مليار أوقية)، والمداخيل 600 مليون أوقية، كما انها لا تستعيد أكثر من 47% من انتجاها من الماء. أما 53% فلا تعرف أين تذهب. وهكذا تظل الدولة تتحمل خسارة غير محسوبة النتائج ولا الأفق . والأمر أسوأ بالنسبة لشركة الكهرباء التي تجبي أقل من 50% من إنتجاها من الكهرباء، بينما تضيع البقية. وهكذا في الحقيقة لا يمكن تصور حالة الشركتين المالية ولا مستقبلهما. إنهما لا تملكان صورة واضحة عن عمق فشلهما، ولا أي تصور للازمة الاجتماعية المحتملة، ولا للحل. والمشكل الكبير أن الشركتين تغرقان كل يوم وكل شهر بمزيد من العمال ومن التكاليف ومن العجز مع قلة الكادر المهني. ورغم أن العجز ولد مع هتين الشركتين، فإن الدولة لم تملك يوما واحدًا تصورا جوهريا لإعادتهما للتوازن، بل تكتفي بتحمل إفلاسهما كل فترة، ففي سنة 2023 تدخلت لإنقاذ شركة الكهرباء ب 43 مليار أوقية. وهكذا ظلت المشكلة معقدة لأنها تتضمن مجموعة من الأبعاد المتداخلة والمتراكمة: واقعها، وعمالها، وتسيرها ووضعيتها المالية ومشاكلها الاستراتيجية، ومشكل المورد نفسه، وحجم التحديات المتعلقة بالعرض والطلب. لقد ظلت مشكلة عصية، ليس على الحل، لكن على التصور. وهنا تبرز أهمية البداية .
لم يكن هناك أي شيء خارق قام به الوزير الأول المختار ولد إجّاي سوى من مجهوده الشخصي حيال هذه المعضلات. لقد قام فقط بمشاركة الارادة في التفكير حول حقيقة واقع هذه الشركات مع فريقه والمشمولين بالمسؤولية في هذه الشركات وخلق الظروف والشروط التي يتم فيها تصور الحل والاعتراف بعمق الأزمة، لكنه تمسك برئاسة اللجان الوزارية والفنية من أجل المواظبة والالتزام بحدود المتابعة الدقيقة حسب البرنامج، ومن ثم فهم الجميع أن الموضوع جدي. وهكذا أخذت بوادر البداية تتشكل، فقد تم التوصل للتشخيص الدقيق والمهني في جميع أبعاده لأسباب تدهور هذه الشركات، وتم تحديد مشكلة الموارد نفسها، وتم الاعتراف بالأزمة في حدودها العميقة والاستراتيجية، ومن ثم تم تصوير الحلول وفق المتاح أولا، ثم البحث عن وسائل للحلول الجذرية من جميع جوانبها، ووضع مخطط زمني دقيق يتم احترامه بصرامة والخروج برؤية واضحة حول المشكل في جميع أبعاده سواء تتعلق بوضعيات الشركة أو للأزمات المتعلقة بانتاجهما وتوزيعه. وكانت النتيجة أن عادت إحدى الشركات للتوازن مثل شركة المياه، فقد تراجعت التكاليف إلى 900 مليون شهريا بدل 1,3 مليار أوقية شهريا، وارتفع الدخل بزيادة 100 مليون أوقية شهريا كربح فوق التكاليف، كما زاد دخل صوملك ب 1 مليار شهريا بمعدل 7 مليار ونيف بدل 6 مليار شهريا. لقد تبني حزمة من الحلول هدفها أن تعود الشركات للتوازن أولا لكي تنطلق في نمط وصورة جديدة قابلة لتسيير الموارد والتصدي للتحديات . فبالنسبة للشركة فقد تم تجهيز ثلاث خزانات كبيرة لمصر وتيارت وتفرقدغ زينه، بدأ اثنان منها العمل، وتم الربط بين شبكتي آفطوط الساحلى وإديني للمرة الأولى لكي تتم الاستفادة منهما في حالة توقف أو ضعف أي منهما لتفعيل وخلق خط كهربائي جديد لتغذية محطات ضخ المياه التي كان تتعرض باستمرار للإضطراب في الكهرباء بسبب مرورها على القرى التي تقوم بتمديدات كهربائية عشوائية من ذلك الخط مما يعرض الكهرباء للانقطاع عن ماكينات ضخ المياه. لقد أخذ تصور الحل المستقبلي بزيادة انتاج المياه خاصة فترة الصيف والخريف الذي يزداد فيه سمك الماء باختلاطه بالأتربة ويتراجع الانتاج من 245 الف متر مربع إلى 80 ألف حيث تم تقوية المصفاة من اجل الرفع من مستوى الانتاج تلك الفترة ….
يتواصل

الإعلامي والمحلل السياسي محمد محمود ولد بكار