على كل مسلم أن يفخر بهذا المجهود

مرة أخرى أزداد إعجابا بهذا المجهود الذي لا يفتر.
إنه أسلوب ينم عن إرادة بحوافز أقوى من الدنيا كلها. ليس هذا العمل من جنس العمل الروتيني في مكاتب الدولة نفسها، وليس بقوة وصرامة المتابعة نفسها. إنه عمل مستقل تدعمه مقومات فكرية أخرى …المجهود السعودي في إدارة: الحرمين الشريفين.
إنه أمر يتمتع بنفس وتيرة الأهمية المتصاعدة في سلم أولويات ملوك السعودية، الواحد تلو الآخر. ثم إنه الرهان الأساسي الذي لا يقبلون أي تنازل مقابله.
العالم كله يضغط على السعودية، خاصة فيما يتعلق بالأبعاد الدينية والتدين. التدين هو مشكلة الغرب لأنه الحراسة الكبيرة للأماكن المقدسة. إن التناغم بين المجتمع السعودي والأسرة المالكة يشكل اندماجا فريدا وتواجشا غريبا في هذه المسألة، ولذلك لم يجد العالم أي مدخل لجعله رخوا حتى بواسطة الدول الإسلامية التي كانت تسعى لإدخال عناصر جديدة لتسيير المقدسات وغيرها من المقاربات التي لا تولي لها السعودية أي اهتمام بصمود لا مثيل له.
العالم الغربي يريد للسعودية أن تتحلل من هذه القبضة التدينية الكبيرة التي يستقيها منها كل الخليج خاصة أسره المالكة، والتي تمثل نقطة ارتكاز كبيرة للتوافق. وبحكمة، يتم تسيير ذلك بدقة متناهية. إن نصيب الحرمين من خطة 2030 كبير جدا بالنسبة لتسهيل الوصول، وتطوير الخدمات، وخلق جو الراحة والأمان، والحفاظ عليهما. كأكبر بناية على وجه الأرض وأكثرها ازدحاما خلال السنة.
وهكذا تظل مجبرا على الإعجاب بالمملكة العربية السعودية كلما زرت المقدسات ولا حظت المواظبة على التنظيم والنظافة والضبط وتسيير المساحات والممرات وتوفير جو السكينة للعبادة وعدم المحاباة في الاجراءات، فكل الناس سواسية أمام النظام، فالسعودي لا يشعر بأي ميزة.
الحرس والمشرفون يملكون نفس الرؤية والصرامة، وكانه نفس الشخص هو الذي يتتبع الاجراءات في كل مكان. وهكذا دواليك بالنسبة للسقاية والنظافة والتبريد والرقابة. كل شخص يقوم بواجبه بشكل منتظم ودون أن يختل فيه أي شيء وكأنه يشعر أن على رأسه رقابة قوية وشديدة أو أن على رأسه ملَك.
الحرم كله، من أبعد نقطة إلى أقربها للكعبة المشرفة، ومن أبعد نقطة إلى أقربها للروضة، يحظى بنفس الاهتمام. عمل مستمر وطواقم متعددة ومدربة على نسق واحد ووحيد: السير على نفس الخطة التي تجعل الأمور تسير بشكل جيد وسلس ومنتظم .
عاديات المناخ لا تغير من الصرامة والاندفاع، سواء في ذلك الزمهرير زمن البرد أو درجات الحرارة العالية جدا في موسمها. ومع ذلك يظل الشرطي يقف على الممرات والطرق ينظم الدخول والخروج بدون ملل، وحراس مداخل الحرم يحثون الناس على الانتظام ويوزعونهم على المداخل في نمط ونسق واحد لا يحول ولا يزول، وعمال النظافة يلتقطون كل ساقط مهما تضاءل حجمه دون تأفف ولا ملل رغم صعوبة كل ذلك. وتراهم كلهم يشعرون، رغم ذلك، بالارتياح، ليس لأنهم فقط يقومون بواجبهم الوظيفي، بل لأن هناك تربية دينية ومناخا للتدين جعلهم يشعرون كلهم بأنهم يقومون بعمل كبير ومضاعف القيمة والأجر .
وهكذا يظل على كل مسلم أن يفخر بهذا المجهود ويعرف أنه -مقابل الحفاظ عليه - لابد من تنازلات كبرى في الشأن الدولي: ومع ذلك ظلت السعودية تشترط حل الدولتين.
من صفحة الإعلامي والمحلل السياسي محمد محمود ولد بكار