ازدواجية الغرب بين محاسبة الداخل وتدمير الخارج.. ساركوزي نموذجا
من المفارقات اللافتة في العالم الغربي أن منظومته القضائية لا تتردد في محاكمة رؤسائها ومسؤوليها حين يتعلق الأمر بالفساد المالي أو إساءة استخدام السلطة داخل حدود بلدانهم، لكنها تغضّ الطرف كليًّا عن الجرائم الكبرى التي تُرتكب خارج تلك الحدود باسم «المصالح» و«الديمقراطية» — وهم يدركون تمام الإدراك أن ذلك كذب في كذب.
فالرئيس الفرنسي الأسبق نيكولا ساركوزي السفاح خارج أرضه حوكم وسُجن بتهمة تلقي رشوة، لكن أحدًا لم يفتح ملف جريمة تدمير ليبيا الدولة التي كانت تنعم بالاستقرار قبل أن تحوّلها التدخلات الغربية إلى ركامٍ من الفوضى والسلاح والدمار، وقد قال رئيس وزراء إيطاليا الأسبق برلسكوني بعد فعلتهم الشنيعة في ليبيا ، "ورغم ذلك فأن الليبيين كانوا يتمتعون قبل تلك الحرب بالماء والكهرباء والصحة والتعليم مجانًا". ولا تدمير اقتصاد افريقا ولا ترك دولة مالي والنيجر وبوركينا وغيرها في مأساة مستديمة ،
وفي الولايات المتحدة، لا أحد يتحدث عن محاسبة الرؤساء الذين دمّروا العراق وأفغانستان، أو أشعلوا الحروب في بنما واليابان وبلدانٍ أخرى، ولا عن الذين يواصلون دعم آلة القتل في فلسطين منذ عقود. فهذه الجرائم، وإن حصدت أرواح الملايين — بمن فيهم النساء الحوامل، والرضّع، والأطفال، والشيوخ، والصحفيون — وحرمت شعبًا كاملًا من الماء والكهرباء والغذاء، لا تُعدّ في نظرهم خرقًا للقانون، لأنها ببساطة لا تمس شعوبهم، بل تُرتكب ضد شعوبٍ أخرى.
أفلا يُفترض بالقانون الدولي الإنساني أن يشمل الجميع؟ أليس من حق القضاء المحلي في تلك الدول أن يحرّك دعاوى ضد القتلة والمجرمين؟ أم أن العدالة هناك تُفصّل وفق لون الضحية وموقعها الجغرافي؟
هكذا يُراد للعالم أن يصدق أن الغرب هو حامل لواء القيم والحرية، بينما هو في الواقع يمارس العنف بلا هوادة، وبشكلٍ مخزٍ، وفق انتقائية لا أخلاقية صارخة: عدالةٌ في الداخل، ودمارٌ في الخارج.
إنها ازدواجية فاضحة تكشف أن ما يُسمّى بـ«القيم الإنسانية» ليس سوى غطاءٍ رقيق يخفي وراءه نزعة الهيمنة القديمة بسلاح الدم والدمار وليس الاقتصاد والشراكة كما تفعل الصين وروسيا .والحقيقة أن الغرب لا يتبدل، وإنْ تغيّرت الشعارات.
فمتى ستتوقف نُخَبُنا عن خداعنا بخطاب الغرب عن حقوق الإنسان والديمقراطية؟
ومتى سندرك أن «النظام الدولي» ليس سوى أداة لتكبيل المذبوح كي يظلّ الذبّاح سعيدًا؟
الإعلامي والمحلل السياسي محمد محمود ولد بكار



