فوضى خلط الأوراق في أفريقيا
ما بين دمشق وباماكو الآف الكيلومترات يمكن أن تنتشر فيها الفوضي بعد أن يدخل أحمد كوفا ( أمادوا) باماكو ، كما دخل أحمد الشرع دمشق ، خصوصا وقد أصبحت (جبهة تحرير ماسينا) على بعد 90 كم من باماكو وهي مسافة أقل مما كان بين الشرع ودمشق عندما توقف عند حمص ،و سيكون سيناريو الفوضى والدم أسوأ مما شهدناه في الساحل السوري أو مؤخرا في الفاشر ، وهو ما بدأ ترامب يستغل جزء منه حين أعلن أنه سيتدخل في نيجيريا لحماية المسيحيين في نيجيريا (تضم 200 مجموعة عرقية، تعدادهم 239 مليون نسمة، المسلمون نحو 52% والمسيحيون نحو 31%)
وإن كان الهدف هو نشلر الفوضى والإستيلاء على مواطن الثروات قبل أن تكتمل سيطرة الجانب الأوراسي عليها ، وكما خلقوا الشرع يخلقون شرعا آخر جنوب الصحراء ، فلم تكن المقابلة التي أجرتها قناة "فرانس 24″ قبل عام مع أمادو كوفا، إلا أحد أشكال التسويق الذي تم من خلال قناة الجزيرة بإستضافة محمد الجولاني ( أحمد الشرع حاليا) في برنامج "بلا حدود " ثم اللقاء الذي أجرته معه محطة CNN الامريكية بعد الاستيلاء على مدينة حماه وقبلها التقاه الصحفي الامريكي مارتن سميث في ادلب ، و تطابقت ردود الجولاني مع ردود أمادوا كوفا ، وبرر كوفا مثل أحمد الشرع قتل المدنيين بأنها ضرورة لأنهم خونة متواطئين مع جيوش المنطقة ، ومثل أحمد الشرع صنفت أمريكا "أمادو كوفا" كإرهابى عالمى ومع الشرع مولت قطر بالفديات التي كانت تدفعها للإفراج عن مخطوفين أو تمويل مباشر ، وأما كوفا فقد مولته الإمارات مؤخرابمبلغ 70 مليون دولا – هذا ما أعلن عنه مؤخرا - مقابل الإفراج عن جمعة بن دلموك آل مكتوم، الذي أختطفته الجماعة في بلدة "سانانكوروبا " من مستودع طائرات إماراتي في المنطقة ، على بُعد 35 كيلومترًا من باماكو بوساطة شخصية موريتانية مثيرة للجدل ، وبمشاركة الزعيم الطارقي الجنرال إيلي أج جامو، قائد ميليشيا "غاتيا" الموالية لسلطة باماكو وذلك بعد مداهمتهم ، و مثل ما حدث في سوريا من اضطهاد وإذلال للسنة ، يستعدي أمادو كوفا معه – من خلال المظلومية العنصرية - كل أبناء عرقيته المسلمة ( الفلان ) لمناصرته بسبب ما تعرضوا له على مدى سنوات طويلة من مذابح وتنكيل وإذلال ، وتعدادهم أكثر من 40 مليونا، ينتشرون في أكثر من 18 دولة أفريقية تمتد من موريتانيا غربا حتى الكاميرون وأفريقيا الوسطى و السودان و في نيجيريا ، وتعرضت قرى كاملة تقطنها قبائل الفلان في بوركينا فاسو ومالي خلال الأعوام الأخيرة إلى مجازر مروعة راح ضحيتها العشرات من القرويين المسلمين على يد جماعات من قبيلة الموسي (غير المسلمة ) و ميليشيات الدوغون وغيرهما ، ونظام " باماكو" المحاصرحاليا يتعرض للإنهاك بمنع الوقود –تماما مثلما حدث مع نظام بشار الأسد – ما دفع الحكومة لتعليق الدراسة ، وتوقف نحو 50% من العربات العسكرية ومصفحات الجيش عن العمل بسبب نفاد الوقود حسب مذكرة سرية من وزير الدفاع " ساديو كامارا " في حين أستولت جبهة ماسينا على صهاريج الوقود ، وأقرت قيادة أركان الجيش المالي بتدهور الأوضاع الأمنية قرب العاصمة وصعوبة السيطرة على المناطق الجنوبية منها ، وقبل أمس دعت أمريكا وألمانيا واستراليا وإيطاليا رعاياها لمغادرة مالي "فورا " و أخيرا ..إذا سقطت العاصمة باماكو فستكون موريتانيا و الجزائر في عين العاصفة ، ومصر أيضا ، ولن يفلح قرار تشاد - غير العملي وغير المنطقي - بإغلاق فوري بالدبابات لحدودها مع مع نيجيريا! خوفاً من هروب إرهابيي بوكو حرام ، حتى وإن أفلح في منع مرورهم عبر حدودها ، فستكون الحدود مع ليبيا وأفريقيا الوسطى ودارفور مفتوحة . ما يحدث الآن في جنوب الصحراء ليس مجرد إعادة تموضع ، بل هو رسم لخرائط حرب وحدود جديدة تتجاوز في بلدان لتؤثر على دولها المستقرة ، وإذا لم يتم تدارك هذا التمدد في مهده ، فإن الشهور القادمة قد تشهد تغييرات مزلزلة وعلى شعوب مصر والجزائر وموريتانيا أن تحمي جيوشها بالإلتفاف والوعي حتى تحمي هذه الجيوش بلادها من السقوط.
الدكتور ايمن السيسي - مدير تحرير الاهرام



