السياسة عندما تفسد الاقتصاد!!

أسامة عجاج /
قد أكون متشائماً بعض الشيء، إذا توصلت من خلال استقراء للتطورات العربية إلى نتيجة مفادها أن القمة العربية الاقتصادية التنموية التي استضافتها العاصمة اللبنانية بيروت، تحت شعار «الازدهار من أجل السلام» قد تكون الأخيرة، في المسلسل الذي استمر لحوالي عشر سنوات، منذ أن نجح المقترح المصري الكويتي بإقرار عقد قمة خاصة لمناقشة القضايا الاقتصادية، ومحاولة التوصل إلى نموذج عربي للسوق الأوروبية المشتركة، حيث استضافت الكويت القمة الأولى في عام 2009، والثانية كان مقرها شرم الشيخ في مصر في يناير 2011، وبعد أيام من الثورة التونسية، وأعقبتها ثورة المصريين في 25 يناير من العام نفسه، أما الثالثة فكان مقرها العاصمة السعودية الرياض في 2013.
وكان من المقرر أن تستضيف تونس القمة الرابعة في 2015، حيث تم التوافق على عقدها كل عامين، وبعد اعتذار تونس لم تجد القمة من يستضيفها، فتأجلت حتى تقدم لبنان، فكانت القمة الأخيرة منذ أيام، وهكذا خلال عشر سنوات لم تلتئم سوى أربع مرات، وفي كل مرة نجد تراجعاً في الاهتمام العربي بها، لدرجة أنه في قمة موريتانيا العربية منذ عامين، تم اتخاذ قرار بأن تكون كل أربع سنوات.
المؤشرات على التراجع الاهتمام العربي بالقمة الاقتصادية تظهر من خلال العديد من المؤشرات، في مقدمتها المقترح السعودي بالجمع بين القمة العادية والاقتصادية، والذي يمثل عودة إلى الوراء ما قبل 2009، واعتبار الموضوعات التنموية بنداً منفصلاً أمام القمة الدورية، والتبرير الذي قدمه وزير المالية السعودي محمد الجدعان رئيس وفد المملكة إلى القمة، أن مرور أربع سنوات لا يتناسب مع التطورات المتسارعة فيما يتعلق بالتطورات الاقتصادية والتنموية، كما أن التمثيل في قمة بيروت كان إعلاناً واضحاً لعدم الاهتمام على مستوى القيادات السياسية العربية بالقمة، لدرجة أن التمثيل كان فضيحة على عكس القمم الثلاث السابقة، فلم يحضر من القادة العرب سوى أمير قطرالشيخ تميم بن حمد آل ثاني، الذي مثّلت مشاركته «ستراً لعورة العرب»، وتأكيداً جديداً على مدى التزام قطر بالقضايا العربية ودعم العمل العربي المشترك، كما حضر أيضاً الرئيس الموريتاني محمد ولد عبدالعزيز، ويبدو أن الأمين العام المساعد للجامعة العربية للشؤون الاقتصادية كمال حسن علي كان متفائلاً أكثر من اللازم، عندما التقيته الأسبوع قبل الماضي، حيث قال لي، إن جدول الأعمال قاصر فقط على القضايا الاقتصادية، مشيراً إلى استبعاد تأثر القمة الاقتصادية وأعمالها بالخلافات السياسية العربية، وما أكثرها.
ومثّل ذلك أمنية، أكثر منها رؤية واقعية لحقيقة الخلافات العربية المستمرة قبل القمة، فهل يمكن فصلها وهي تسعى إلى تحقيق سوق عربية مشتركة، عن عملية فرض الحصار الجوي والبري على قطر، الدولة العضوة النشطة في الجامعة العربية؟ كيف يمكن الحديث عن تعزيز الاستثمارات العربية في ظل وضع كهذا؟ هل من المناسب الحديث عن حرية حركة رجال الأعمال العرب بين الدول المختلفة، ورعايا قطر ممنوعون بفعل الأزمة من دخول دول الحصار الأربع، والأمر هنا لا يقتصر على الحصار، فهناك دول عربية تعاني من أزمات سياسية، تراجعت معها عملية التنمية لسنوات طويلة، بل تعاني من انهيار اقتصادي، ونحن هنا نتحدث عن سوريا واليمن وليبيا، والأولوية هنا قاصرة على عمليات إعادة الإعمار والبناء من نقطة الصفر، كما أن حدوداً عربية مثل الجزائر والمغرب، تعاني من الإغلاق منذ سنوات طويلة، رغم طلب المغرب للحوار مع الجزائر لإنهاء كل ملفات الخلاف.
وقد تكون الأزمات السابقة مرّ عليها بعض الوقت، ولكن الأزمات التي شهدها لبنان الدولة المضيفة للقمة، انعكست على أعمالها، سواء وجود خلاف داخلي بين المكوّنات السياسية حول قضايا لا تتعلق بالقمة، ومنها ضرورة استضافة سوريا، رغم أن ذلك يتعلق بوجود توافق عربي، وليس رغبة لبنانية فقط، مما استدعى بعض الأطراف اللبنانية إلى طلب تأجيل القمة أو الاعتذار عن استضافتها، وظهرت قضية اختفاء الإمام موسى الصدر في ليبيا إلى الواجهة، لدرجة دفعت عناصر من حركة أمل إلى حرق العلم الليبي أمام مقر القمة، وكان هذا وراء الرد بالمثل في العاصمة طرابلس، وإعلان حكومة الوفاق هناك عن مقاطعتها للقمة.
ويبدو أن فشل النظام العربي المتمثل في منظومة الجامعة العربية في تحقيق هدفها السياسي، قد انعكس سلباً على «بارقة أمل» جسّدتها فكرة القمم الاقتصادية، التي سعت إلى خلق مصالح مشتركة، تفيد الشعوب العربية، ويمكن البناء عليها، فكانت النتيجة المتوقعة أن قمة بيروت قد تكون الأخيرة.