أرباب العمل في ضوء مبادرتين: تخفيف المهر وتوجه الدولة الجديد بالاصلاح.. ونقص الأسعار
كانت مبادرة جيدة تلك التي تعمل على تخفيف المهر إلى أدنى حد وتساعد الشباب على الباءة. لقد تباينت الآراء حولها لأسباب عديدة، منها انعدام آلية لهذه المبادرة في الحجم، ومنها أنها لا تغطي حيزا تاريخيا ولا جغرافيا يجعلها حلا لظاهرة اجتماعية معينة. ومع ذلك كانت عملا فرديا مثل الصدقة، أخذ زخما كبيرا في وجه تحركات قوية ومهمة للدولة يجب أن تكون مؤسستكم طرفا فيها. وهكذا أثيرت حولها تساؤلات عريضة عن أهمية استغلال هذه الروح الطيبة في ما هو أهم وأشد وطأة وأكثر إيلاما اليوم بالنسبة للمواطن الذي لديه مشكلة الأسعار خاصة مواد الدرجة الأولى التي تطحنه وتلتهم دخله كاملا وبشكل فظيع. وقد وسّعت الأسعار من دائرة الفقر بالنسبة لمستويات الدخل التي لم تعد تكفي للعيش بالنسبة لغالبية الموظفين. والواقع أن درجة التربح هي العنصر الأساسي في زيادة الأسعار. وهكذا يغتنم الموردون كل فرصة صغيرة ليرفعوا سعر المواد المخزنة قبل تلك التي مازالت في الطريق، فعند أي إشارة لأزمة ما أو لزيادة سعر المادة عند المنشأ أو تعويم العملة ولو بقليل، أو زيادة سعر النقل أو رفع التعرفة الجمركية، يرفع التجار السعر بأضعافه مباشرة، لا يخافون لومة لائم في ذلك . وعند عودة أسعار تلك المواد لحالتها الأولى، يظل السعر مرتفعا تمشيا مع القاعدة الذهبية لدينا في موريتانيا المتمثلة في أن "الأسعار إذا ارتفعت لم تعد". وقد جرت الدولة على مألوف تلك العادة، خاصة بالنسبة للمازوت الذي تحافظ على سعره عاليا لكي يعوّض الخسارة في سعر الكيلو وات من الكهرباء . ومع أنها تحاول دائما انتخاب "مخلِّصين" لشركة الكهرباء التي تزداد وضعيتها سوءا، وعند فشلهم تكافؤهم بالترقية: يالها من مفارقة عجيبة أيضا!! ألا يكفي هذا من تخصيب الفشل !!!! كان حري بهذه اللفتة أو المبادرة أن تكون قضية المهر أيضا في الإتجاه الأكثر وطأة ، إذا كان الهدف هو التخفيف على المواطنين، وذلك بدعم قرار الدولة بتخفيف سعر الإسمنت وأسعار المواد الأساسية وتنظيم السوق والمنافسة، بدل صرف النظر إلى قضية هامشية بالنسبة لمجتمعنا الذي لا يعلق كثيرا على ذلك. نحن بحاجة فيه فقط لانسجام رجال الأعمال في التوجه الجديد للدولة والتخلي عن القليل من الجشع. لا يخفى على أحد أن هذه المبادرة شطرت إهتمام الناس أو شتته حول ما تحاول الدولة القيام به من اصلاحات تريد إشراك طبقة المال فيها، وإعلان مبادرة هامشية تقع في صلب دور الوعاظ والفاعلين الاجتماعيين وقانون الأحوال الشخصية ومنظمات المجتمع المدني، ودون الدخول في تقييم انعكاسات هذه المبادرة على الحياة الزوجية بعد تخطي عتبة تقويض المهر. مع أن المهر لم يكن مشكلة في مجتمعنا، فهو يتفاوت حسب الأفراد والمجموعات ونظامها وتنظيمها الاجتماعي ودخلها من 50 ألف قديمة إلى 20 مليون بالنسبة للميسورين، كل يعطي من سعته.
لم تكن هذه مشكلة كبيرة للمجتمع تستدعي إلقاء قنبلة دخانية في هذا الوقت تجاوزا للرهانات الكبرى للدولة والشعب. وهكذا يمكن استساغة طرح التساؤل التالي: هل هي تغطية على العجز عن جر رجال الأعمال لتنفيذ التزامهم للدولة بنقص سعر الإسمنت والتعاطي معها في مسطرة مراجعة سلسلة الاسعار من أجل الضغط على هامش الربح؟. الدولة في مواجهة ذلك، أو لأجل تنفيذ ذلك القرار، تستنزف كل قواها وتطالب المواطنين بمساعدتها في ذلك في حين كان بإمكان مؤسسة رجال الأعمال- الذين هم التجار بالدرجة الاولى- تبني هذه القضية .
هلا سألتم الشعب المستهدف من كلا المبادرتين حول : هل يفضل نقص الأسمنت والأرز وتوفير الخضروات والسمك واللحوم بأسعار في متناوله أو نقص المهور ؟
إن الدولة قادرة لوحدها على حمل رجال الأعمال على تنفيذ تلك القرارات، لكن حري بهم إظهار الروح الوطنية تعويضا عن روح الجشع التي ظلوا يعيشون في كنفها كل هذا الزمن وراكموا خلالها الأرباح على حساب المواطن الدولة، فكلما أرادت الدولة أن تتبنى صرامة ومسطرة جديدة كلما وقفوا لها بالمرصاد وحاولوا إضعاف إرادتها وصرامتها حتي يتم التراجع أو التراخي عن تلك الروح وتلك القرارات، وأن يتعاملوا بنزاهة مع الضرائب عند إعلان الأرباح ورقم الأعمال والجمارك عند تخليص البضاعة. إنهم يعتمدون التحايل على كل ذلك من استخدام الاستفادة من الإعفاء الجمركي وتغيير معلومات البضاعة خاصة تلك المصنفة ضمن المواد عالية الجَمركة إلى مواد معفية أو ضعيفة الجمركة، أو يستخدمون إعفاء مواد معينة أو مشروع معين ليجلبوا عليه مواد أخرى ويبعيونها بالغلاء في السوق، خاصة في مجال بناء بنايات الدولة أو السدود أو الطرق وغيرها حيث يضاعفون استغلال الإعفاء من الحديد والطلاء والسيراميك ومواد البناء الأخرى أو يحولوا المواد الإلكترونية أو التجهيزات المكتبية إلى مواد أقل جمركة مستفيدين من التفريغ خارج الميناء، ومن طرق الالتواء الكثيرة، ومن وزنهم الضخم في الدولة الذي يستمدونه من علاقة سياسية بالرئيس أو بالحكومة أو بالجنرالات، وآخر ذلك تدخل وزير نافذ في سيارات رباعية الدفع تم تغيير معلوماتها. إنك من المستحيل أن تشهد حاوية تامة من "بازانه" رغم أنه مادة اللبس الأساسية للرجال في البلد، في حين أن أسعاره في ارتفاع دائم على نحو غير مبرر، وكذلك الكومبيوترات رغم أن هناك شركات تزود الدولة والسوق المحلي بها على سبيل الميثال ، كما أن البنوك تغطي السوق السوداء وتدعمها لأن أرباحها خيالية، كما أنهم- أي بعض رجال الأعمال- لهم محاسبتان في وجه الضرائب: واحدة للضرائب تخفف وأخرى خاصة لهم ، ثم يوزعون رقم أعمالهم على عشرات المؤسسات، كما يستثمرون أموالهم في رفع سوق العقار والإيجار وغيره من النشاطات الهامشية المضرة بالشعب .
ثم أنهم لا يدفعون الزكاة في الغالب وبصفة دقيقية، فلو أن جميع أموال رجال الأعمال 2 ترليون، لكان حجم الزكاة سنويا 5 مليار أوقية، فبهذا المبلغ ماذا كان يمكن انجازه للفقراء خلال عشرة سنوات !
إن على الدولة أن تتبنى خطة لتحديد الزكاة وتحديد آلية لدفعها استنادا على السجل الاجتماعي، لكن ليس على طريقة تنفيذ تآزر حيث تجد بعض الأسر التي تحصل على عدة رواتب في الوقت نفسه بينما يطالب الكثيرون بالحصول على راتب واحد. إنه غش كبير للفساد .
ألم يان لرجال الأعمال أن يقفوا في صف مع الدولة هذه المرة في عملية المراجعات هذه، وأن يفتحوا صفحة جديدة قادرة على الدفع بالاقتصاد وتساعد الدولة على استرجاع الاموال التي كانت ضائعة في عدم تنفيذ المشاريع، ويكونون شركاء موثوقين لمصلحة الدولة والشعب .إن عليهم أن يقللوا من القبضة على السوق والاستيلاء على المنافسة بالتحايل خاصة النافذين منهم وأصحاب البنوك، وأن لا يملك الواحد أربعين شركة مخفية الاسم، ويلتهم جميع نشاطات الحياة ليغلق المجال أمام أصحاب المبادرات الصغيرة والبضاعيين …بعض رجال أعمالكم، سيادة الرئيس، يملك أكثر من 500 مليار أوقية وينافس على عقود خدمية وصفقات بقيمة 500 ألف أوقية قديمة فما فوق، أتتذكرون ذلك !
كما أنه يجب تغيير التوجه نحو التنافس حول صفقات الدولة حصرا بدل دعم حرية المبادرة وتشجيع مهارات الشباب والمهن المستقلة عن الدولة ودعم الطبقة المتوسطة من خلال القروض طويلة الأجل ، فالكل يتصارع لريع ميزانية الدولة وصفاقتها ومشاريعها ومؤسساتها، يريد أن يستولي عليها لوحده ويستخدم كل وسائل الرشوة والإغراء ودعم السلوك الذي تحاربه الدولة من رشوة وعدم يقظة وعدم متابعة ، ويسبح بقوة ضد التيار وضد أي روح وطنية جادة للبناء. فلا يوجد خلق مشاريع ولا ابتكارات مستقلة ولا دعم لروح المبادرة ودعم الصناعات والقيمة المضافة، بل التوجه الأساسي هو خنق المواطن بالأسعار أو امتصاص الدولة. ليس هناك مبادرات لدعم النقل العمومي، فبإمكانهم تكوين شركات للنقل الخاص المنظم بشراء التكسيات والحافلات الصغيرة، كما يمكنهم بناء تجمعات سكنية للموظفين بالتقسيط طويل الأجل، كما يمكنهم الاستثمار في مجال الصحة، فالمليارات التي تذهب كل سنة في الاستطباب في الخارج من أموال الدولة عبر التأمين والتغطية الصحية ومن أموال المواطنين في الغالب في مصحات تجارية، كان بالإمكان الحفاظ عليها في البلد من حال بناء مصحات قوية ومجهزة وبأطباء من مواصفات كبيرة. المجالات كبيرة وبكر، لكن مجال المنافسة الكبير والحقيقي لرجال الأعمال يتمحور حول التسهيلات التي يمكن الحصول عليها من الدولة ، حول الحصول على صفقات التراضي وحول الحصول على تكديس الرخص . وهكذا لم يساهم رجل الأعمال الوطني في تشغيل العقول في دعم المبادرات، لكن في أمور فردية وهامشية ذات طابع دعائي .
أن المواطن بحاجة لمن يدعم كل خطوة إصلاح تساعده على العيش بكرامة في بلده .
من صفحة الإعلامي والمحلل السياسي محمد محمود ولد بكار