على الرئيس غزواني أن يكون له طابعه الخاص في الاطلاع على أوضاع المواطنين

الحقيقة أن الزيارات التفقدية التي يقوم بها الرئيس أفُرِّغت من مضامينها الحقيقية المرتبطة بالاطلاع على أحوال الناس، وأصبحت في الغالب أشبه بوليمة جمهورية للرئيس وضيوفه، تُقام على حساب الوصول إلى الحقيقة المجردة عن واقع الشعب والمنطقة التي يزورها وإن كان دافع الرئيس هو الاطلاع على أوضاع الناس .
فما إن يعلن عن زيارة رئاسية حتى يحطّ أهل نواكشوط الرحال في المنطقة المقصودة، فيغيّرون ملامحها الحقيقية، لأنهم هم من سيتولّون استقبال الرئيس بلباسهم الأنيق، وهم من سيملؤون أماكن التجمّع واللقاءات.
وفي الأثناء، تنشط المصالح الحكومية في تنظيف المدينة، وترميم الطرق، وطلاء واجهات المنازل المطلة على الشوارع الرئيسة. كل شيء في المدينة يتبدّل استعداداً لتلك اللحظة، لكن لفترتها فقط.
وهكذا نرى نسخة صغيرة من نواكشوط حلت بالمنطقة المزورة .
ثم يتم التدخل بلقاءات الرئيس لتقتصر على الوجهاء وكبار الشخصيات، وغالباً ما يكون الحاضرون من خارج المنطقة نفسها، فتُحجب الحقائق الفعلية عن الرئيس، ويبدو الأمر وكأنه التقى بمجموعة من سكان نواكشوط في الداخل، لا بأهالي المنطقة الأصليين.
فهل هذه هي غاية الزيارة فعلاً؟
إن على الرئيس أن يمنع الموظفين من ترك أعمالهم لاستقباله، وأن يوجّه بعدم إجراء أي تغييرات شكلية إلا ما هو ضروري جداً، كتهيئة طريق الموكب أو محل الإقامة. أما ما عدا ذلك، فينبغي أن يُترك على حاله.
كما يجدر بالرئيس أن يقوم بجولات ميدانية حقيقية في الأسواق والمدارس والمستشفيات، وأن يتجول بين الناس في الشوارع دون حواجز.
لقد كان الرئيس معاوية ولد الطايع رغم ما يقام حول زياراته من بذخ – حين يزور مدينة خاصة نواذيبو – يستدعي سائقي التاكسي القدامى ممن يعرفهم، ويقوم بجولة في المدينة بين المغرب والعشاء دون علم أحد سوى حرسه المقربين،وربما يقوم به بطرق أخرى في البقية .
وكذلك كان الرئيس محمد خونا ولد هيداله يقوم بزيارات مفاجئة للولايات والمصالح الإدارية، فيقف على الواقع بنفسه.
وعندما كنا نزاول العمل الصحفي المستقل والميداني كنا نقوم بزيارة للمنطقة التي سيزورها الرئيس قبل موعد الزيارة لنكتب أخبار المنطقة من خلال مقابلات وريبورتاجات وننقل الحقيقة للرئيس تحت عنوان "هذا هو واقع المنطقة" لأننا على علم أن جميع الحقائق سيتم طمسها .
وهكذا يتعين على الرئيس غزواني أن يكون له طابعه الخاص في الاطلاع على أوضاع المواطنين بدقة وشفافية، ومن دون وسطاء يجمّلون أو يخفون أو يزيّفون الحقائق.
فهذه الزيارات فرصة للرئيس كي يكون على بيّنة من واقع مواطنيه، وفرصة ثمينة للمواطنين ليطلع على أحوالهم وليلتقوا بشخصه مباشرة، علّه يتخذ القرارات الصائبة التي تمسّ مصالحهم الحقيقية ويغير من واقعهم .
الإعلامي والمحلل السياسي محمد محمود ولد بكار