الثلاثاء
2025/10/14
آخر تحديث
الثلاثاء 14 أكتوبر 2025

السعودية هدفا في الموجة الثانية من الصهيونية

12 فبراير 2025 الساعة 11 و03 دقيقة
السعودية هدفا في الموجة الثانية من الصهيونية
طباعة

يعيش العالم اليوم هرجا وهلعا من آثار تصريحات ترامب السيئة في كل اتجاه وبدرجة أساسية بشأن التهديد بالعودة للحرب وتهجير الفلسطينيين إلى الدول العربية لقد تزايدت موجات السخط و الحقد على الولايات المتحدة بسبب رعونة هذا الرجل الذي يتحدث بلغة الصبيان التي لا تمر لا على ميزان العقل ولا الأعراف كما أصبح حديثه هذا الجنوني ومفردات خطابه نمطا جنونيا متبعا من طرف إسرائيل .
ومن جهتها صعقت إسرائيل العالم بتصريح عبثي واستفزازي حول ترحيل الفلسطينين للسعودية وأثارت موجة غضب عارمة وردة فعل ساخطة عليها .والحقيقة أن ذلك مفهوم في سياق الأحداث والتوجهات الجديدة التي كشفت عن الوجه الحقيقي لترامب الذي لم يكن فقط رجلا اهوج، لكنه بدا متشربا من الخلفية الصهيونية .
الحركة الصهيونية في موجتها الأخيرة أو في حقيقتها النهائية هي الخطر الأكبر على العالم، فهي اليوم تملك القوة العالمية الكبرى أو هي الخلفية الأيديولوجية المحركة للقوة العالمية اليوم ممثلة في الإدارة الحالية للولايات المتحدة الأمريكية. إنها لا تملك حدودا ولا قواعد أخلاقية ولا قيمية ولا إنسانية ولا علاقة لها بأي ثورة فكرية ولا تاريخية من ثورات العالم، فهي قائمة على المال والقوة ولا شيء آخر ، وهي القوة الوحيدة في العالم التي في سبيل ذلك يتساوى عندها قتل المرأة الحامل والرضيع والعجوز المقعد مع الجندي .
لقد احتضنها الغرب في بداية القرن العشرين وزرعها في أرض فلسطين من أجل منع الوحدة العربية كقوة عالمية تذّكر بعودة وقوة الإسلام وسيطرته على العالم ، ومن أجل خلق منطقة توتر عالية تضع رهانات وهواجس أمنية خطيرة تتغلب على رهانات التنمية والتطور ، ولتكرس تبعية عربية للدول الغربية بالنسبة للتسلح وغيرها .
هذه الخلفية في موجاتها القاتمة ظهرت على حقيقتها اليوم مع نتانياهو، فقد صار تحديا صارخا لكل القواعد والقوانين والأخلاق والإنسانية والمنطق العقلي ولأي هدف من أهداف العالم الحر، وتحديا صارخا للتجربة الإنسانية في مجال حقوق الإنسان وتطور البشر نحو نهاية التاريخ ، أي عملية النضج الفكري والأخلاقي وتحكيم القواعد
. وهكذا وصارت إسرائيل كابوسا مصوبا على ضمي البشرية أي نحو كل التجليات المضيئة في العالم عندما صارت بهذه القوة التي يتبناها الرئيس الامريكي كما ظهر ذلك جليا للعالم في نمط التدمير والفتك ومستوى الحرب على فلسطين، وصارت بيد رجل أهوج لا يعرف سوى المال هدفا والقوة والسيطرة منطقا .
لم يتوان اترامب عن كشف نواياه الحقيقة في توجهه الصهيوني الجديد باستهداف السعودية ، الدولة الأكبر قيمة دينيا بالنسبة للمسلمين والتي تحتضن وتترأس العالم الإسلامي وقائدته ورئيسة عالم السنة: ثلاثة ارباع المسلمين والعمل العربي. إنها تختزل البعد الديني للمسلمين .لقد خرجت السعودية "هذه" من النظرة أو الطريق الذي يريد الغرب أن يعبده لها وتحولت وأسست مبادرات ذاتية لبناء نفسها كقوة اقتصادية عالمية ذات صناعات متعددة واكتفاء ذاتي. وهذا يحمل مجموعة من الأخطار على النظام العالمي خاصة بالنسبة للدولار ولنطام التحويلات العالمية (إسويفت) الذي كان لها الفضل في تأسيسه ، فقد قبلت السعودية بتسويق النفط بالدولار حصرا كوسيلة للتداول والتقويم المالي .لقد أصبح الدولا منذ ذلك الحين إلى الآن يستحوذ على 48% من معاملات الدفع الدولية حسب البنك الدولي و59% من جميع الاحتياطات العالمية مقومة بالدولار، وقد تمت عمليات تبادل السلع بما قيمته 24 ترليون بالدولار خلال 2023 ، كما يستحوذ الدولار على 90% من تداولات سوق العملات يوميا (الفوركس) أي ما قيمته 7,5 مليار يوميا. وهذا ما جعل الدولار سلاحا أمريكيا قائما بذاته يستخدم لتجميد الأموال وفرض العقوبات .لقد صار العالم بما فيه العالم الغربي قلقا من هذه الوضعية خاصة أن الشعب الأمريكي ينتخب رؤساء غير متوازنين ويسلمهم هذه القوة العظيمة، كما أننا في عالم المنافسة حيث برزت مجموعة من القوى الاقتصادية العالمية التي تفتش عن أسواق وموارد ولا تريد أن تبقى تحت وصاية ورقابة الولايات المتحدة الآمريكية خاصة بالنسبة لعملياتها التجارية .الفكرة الصهيونية التي يتبناها اترامب أججت مشاعر الخوف والغضب عند العالم نتيجة لانعدام المنطق والقواعد لدى هذه الحركة وعند العرب والمسلمين بصفة خاصة .لكن هذا القلق العالمي يقابله قلق آمريكا عندما بدأت السعودية، الحليف الاستراتيجي الرئيسي للولايات المتحدة الأمريكية، تعبد طريقها الخاص بها في السياسية الخارجية والتنمية الداخلية والانفتاح الثقافي والاقتصادي على العالم ، فقد استقبل خادم الحرمين، الملك سلمان بن عبد العزيز، الرئيس الصيني في السعودية ، وقام بزيارة رسمية لروسيا وقام بتطبيع علاقته مع إيران واليمن وقطر ، وتوقف عن دعم أي نشاط مسلح، وكانت جميع المواقف والتصريحات السعودية بشأن أي موقف في قضية الصراع العربي الإسرائيلي قائمة على حل الدولتين. وهكذا ظلت تواجه جميع الضغوط وتمانع في اي تطبيع خارج هذه الرؤية، والأسوأ من كل ذلك بالنسبة للولايات المتحدة الآمريكية فكرة السعودية الجديدة في أفق 2030 التي وضعها ولي العهد محمد بن سلمان: شاب في مقتبل العمر يملك طموحا عاليا لبلده ويملك رؤية ثاقبة وإرادة صلبة .إن الولايات المتحدة قلقة جدا من أن تنفذ السعودية خطتها الجيدة وان تنضم للرؤية العالمية التي تطالب بالتحرر من هيمنة الدولار لسبب واحد ووجيه. وقد قال ترامب "عندما تسقط الولايات المتحدة فسيسقط جميع العالم" ، وهكذا يصبح مستقبل العالم مرتبطا بدولة واحدة وذلك لأنها تتحكم في الاقتصاد وفي التحويلات والتقويم المالي العالمي .
أهمية السعودية الاستراتيجية والاقتصادية بالنسبة للولايات المتحدة الأمريكية هي أهميتها للعالمين الإسلامي والعربي بسبب دورها التاريخيّ وما تقوم به من دور في دعم العمل الديني والاقتصادي والديباوماسي داخل هذين العالمين، وبما هي صمام أمان للمسلمين: 1,9 مليار نسمة على خريطة العالم .
إن التركيز في الفكر الصهيوني في تجلياته اترامبية الجديدة على السعودية يمثل تهديدا للسلم العالمي وخطرا ماحقا على المسلمين يجب على كل فرد مسلم أن يعيه ويستعد له كمعركة أخيرة ليست ضد الصليبية التي لها مبادؤها القيمية والاخلاقية وايديولوجيتها الدينية ، لكن ضد حركة لا تملك مبادئء ولا قيم ولا قواعد أخلاقية ،وذلك أن الحرب على غزة لها أبعادها القومية والدينية والإنسانية بالنسبة للعرب والمسلمين والعالم نتيجة لتلك الاعتبارات، لكن السعودية تمثل نمطا ومرحلة اخرى من الصراع بين الإسلام والصهيونية .
إن خطر هذه التوجه اليوم يتمثل في توحيه هذه القوة نحو الكيان الإسلامي ممثلا في السعودية و الذي سيتم الدخول منه لمرحلة جديدة في علاقاتها مع الولايات المتحدة إلى النقطة التي ستبدأ منها مرحلة عالمية جديدة وعدا تنازلا للدولار .

الإعلامي والمحلل السياسي محمد محمود ولد بكار