الاثنين
2025/12/8
آخر تحديث
الاثنين 8 دجمبر 2025

من أين تُؤكَل الكتف؟

21 يوليو 2025 الساعة 22 و40 دقيقة
من أين تُؤكَل الكتف؟
طباعة

في بلدٍ تُحاصر أمواجه الذهبية سواحله بطول ألف كيلومتر، وتغزل تياراته كنوزًا من الأخطبوط والأسماك الزرقاء والبيضاء، لا يزال السؤال الأهم يتردد على ألسنة الجميع: من أين تُؤكَل الكتف؟

فالقطاع الذي يُفترض أن يكون محرك التنمية وعماد السيادة الاقتصادية، تحوّل إلى وليمة مفتوحة لا يحضرها أصحاب الحق، بل المدعوون بأسماء مستعارة وأذونات تُكتب في العتمة. وكلما رفعت الاتحادات الصوت، قيل لها: “اصبروا… فالدولة تُفكّر”. لكن يبدو أن التفكير طال، والمائدة قُسّمت، ولم يتبقَ للصياد البسيط إلا رائحة الشواء.

لقد أصبح من المألوف أن تُمنح الامتيازات بلا إعلان، وتُدار الثروة بلا شفافية، وتُصاغ القوانين ليُستثنى منها من “يعرف الطريق”. فالمعلومات موجودة، نعم، ولكن القرارات التي تُبنى على تلك المعلومات مفقودة. والتقارير تُرفع، لكن التوصيات توضع في الأدراج… أو تُحوّل إلى صيغ انتقائية حسب “الجهة المعنية”.

لا أحد يسأل: لمن تُوزَّع الحصص؟

نظام الحصص الذي بشّر به كثيرون تحول إلى نظام “الجهد” المُبهم، حيث من يملك القوة والوساطة يأخذ أكثر، ومن لا ظهر له، يعود إلى الميناء صفر اليدين. المراقبة ضعيفة، البحث العلمي غائب، وتقييم المخزون يتم بمزاج موسمي، في حين تُنهب المصائد باسم القانون تارة، وبالتحايل عليه طورًا.

بطاقة الصياد؟ تباع وتُشترى!

في ظل احتجاجات صاخبة وبيانات نارية، فاجأتنا اتحادات الصيد بحلّ غريب: إصدار بطاقة مهنية للأجانب والموريتانيين على السواء، مقابل ألف أوقية، وبطاقة ناقل مقابل ألفين… وكأن السيادة المهنية تحوّلت إلى طابع جبائي لا يعترف بالخطط الوطنية، ولا بخطر الاستنزاف، ولا بحاجة المواطنين للعمل.

عمالة أجنبية في قلب المصيدة

وفي سابقة لا تخفى على أحد، تحوّلت العمالة الأجنبية من مساعدة ظرفية إلى كيان مهيمن، يدخل المخيمات ويُسيّر النشاط، في خرق واضح لخطة استصلاح مصيدة الأخطبوط. بل الأدهى أن يتم تشغيلهم في مناطق محظورة بموجب مقرر وزاري صادر لضمان السلم الاجتماعي، وتفادي الاشتباك بين الموريتانيين والأجانب. فأي مبرر قانوني أو أخلاقي يسمح بهذا؟

الهجرة: من غير شرعية إلى ممنهجة

وبين مخيمات الصيد وقوارب الهجرة، تتقاطع المصالح. فمن يستفيد من تهريب العشرات يوميًا مقابل بطاقة صفراء ومحركين وطنّين من البنزين؟ الجواب عند من لا تُكتب أسماؤهم، لكن تُسجَّل أرقامهم في سجلات الربح. أما القانون، فيُوضع على الرف لحين الحاجة.

فمتى نُقفل الحلقة؟

إننا أمام قطاع يُدار بمنطق التحايل أكثر من منطق التخطيط، حيث تُدار الثروة بلا تقييم، وبلا حوكمة، وبلا رؤية وطنية موحّدة. والنتيجة: صياد تقليدي يزداد فقرًا، ومستثمر جاد يهاجر أو يُهمّش، ونخبة من المنتفعين تُمسك بمفاتيح القرار من الخلف.

نعم، السؤال ليس من يأكل من الكتف، بل: هل بقي من الكتف شيء.

الاتحادية العامة للصيد FGP