ما معنى أن يكتب مدير الديوان؟ أهو تجرّد من الوظيفة أم رسالة عليا؟

ليس أمراً عادياً – وفق أعراف “المخزن” الموريتاني – أن يتحدث مدير ديوان رئيس الجمهورية علناً، فكيف إذا كتب؟ هذا مؤشر على أمر جلل لمن يعرف الرئيس غزواني. فلأول مرة في تاريخ البلد يكتب مدير ديوان رئيس الجمهورية في موضوع سياسي، في حين توجد دوائر عديدة يمكن أن تنقل الموقف أو الفكرة نفسها، خاصة أن الموضوع يتعلق بأشخاص في الحكومة يروّجون أنهم من “الدائرة الأولى”. لعلّ الأمر بلغ درجة تستدعي الخروج عن المألوف. إنها رسالة صريحة وقاطعة … إنه قلم الرئيس نفسه.
كتب السيد الناني ولد أشروقه، وزير مدير ديوان رئيس الجمهورية، تدوينة هذا الصباح جرى تداولها على نطاق واسع، ما يغنينا عن إعادة نشرها هنا. غير أن مضمون التدوينة ليس هو الأهم رغم أهمية مضامينها والعودة بالأمور إلى نصابها ، بل مبدأ التدوينة بحد ذاته فهو الذي يحمل الرسالة الأوضح.
تبيّن من خلال توقيع الناني أن الرسالة موجّهة أولاً من رئيس الجمهورية إلى الرأي العام مباشرة، عبر أقرب موظفيه، ليؤكد أنه لا يقف وراء أي شخص ولا علاقة له بالموضوع المتداول حول خلافته – حتى وإن كان المروَّج لهم من المقرّبين – وأن الأمر يزعج ويُربك تنفيذ برنامجه خلال مأموريته الأخيرة، وأنه في النهاية سلوك فردي يستوجب توضيح الموقف منه بشكل قاطع.
أما الرسالة الثانية فموجّهة لهؤلاء أنفسهم عبر الرأي العام، وفي ذلك تجاهل واضح ليس للطموح بل للأسلوب الذي يفتقر للباقة . والكتابة هنا تحمل مظهراً من الغضب المبطّن لدى غزواني لمن يعرفه؛ فهو يلتقي كل صباح بوزراء السيادة ويمكنه مناقشة الموضوع معهم مباشرة، لكن الأمر على ما يبدو أقل مسؤولية لدرجة أن غزواني نفسه لا يريد تصديقه وفي ذلك توبيخ واضح .
أعتقد أنها الرسالة الأقوى من الرئيس، وقد تعقبها إجراءات صارمة ومفاجئة إذا استمر الوضع على حاله، تكشف أن الكثير من القوة داخل النظام ليس واقعي .
فالترشيحات الجارية في بداية المأمورية، خصوصاً من وزراء يشغلون حقائب مركزية، تعطي انطباعاً بأن الرئيس لا يمسك كل الأوراق، وأنه لا يملك رؤية واضحة لمستقبل البلد ولا القرار النهائي فيه. وهذه في الواقع مضامين خطيرة تسيء إلى صورة الرئيس وهيبته، وتوحي بعدم سيطرته لا على مقاليد الحكم فحسب، بل حتى على حكومته. فهل يُعقل أن تُروَّج مثل هذه الرسائل من داخل البيت نفسه، بل من حكومة تنعم بثقة الرئيس ووزراء يملكون ثقة ومراكز يتضح يوما بعد يوم انها مجرد عطية .
الإعلامي والسياسي محمد محمود ولد بكار