الأربعاء
2025/12/10
آخر تحديث
الأربعاء 10 دجمبر 2025

غزواني ومحاربة الفساد… من أين تكون البداية؟

منذ 13 دقيقة
غزواني ومحاربة الفساد… من أين تكون البداية؟
طباعة

قرأتُ تغريدة الرئيس غزواني بمناسبة اليوم العالمي لمحاربة الفساد، ولا أقصد هنا بلاغة ولا جزالة المعنى ، بل الشحنة القيادية والطاقة الصارمة الكامنة خلفها، أو التي كُتبت بها إنها طاقةٌ يُتوقَّع أن يكون انفجارها السياسي والإداري كبيرًا، إنها وتتويج لخطابات جماهيرية ورسائل سياسية وقرارات إدارية قوية في الشأن.. وقد جاء الإسناد سريعًا من خلال تدوينة الوزير الأول، التي أوحت بأن المعركة هذه المرة لن تقف عند حدود الأقوال، بل ستتجاوزها إلى الأفعال. ومع ذلك فقد بدا أن ساحة الحرب – وفق ما فُهم من التدوينة – هي الإدارة أولًا، فهل يكفي ذلك وحده؟
نحن اليوم نرى غزواني يطلق حربًا لا يزال يفتقر فيها إلى الجنود والمقاتلين الكبار. وأخطر ما في الأمر أنه يبدأ من “الوسط”، بين مجتمعين يقفان – بطرق مختلفة – على الضفة المقابلة لهذه الحرب:
من جهة، المجتمع الشعبي الذي تُسهم عاداته الاجتماعية في تغذية منظومة الفساد، بل وحماية واحتضان رموزها. ومن جهة أخرى، المجتمع الإداري الذي يشغّل الدولة، لكنه يعتبر المعركة موجّهة إليه مباشرة، في ظل ثقافة طويلة رسّخت الاعتياد على الفساد وربطت به الامتيازات ومستوى العيش، مدفوعةً بالافتقار إلى الإصلاحات الرحيمة وضعف القوة الشرائية .
الرئيس في الواقع لا يبدأ من صفحة بيضاء، ولا يعتمد على نهاية صراع ثقافي ولا سياسي مبني على إجماع وطنيّ ناضج وواقعي حول ضرورة التخلص من هذا الداء؛ فغالب المنخرطين في هذه الحرب ما زال جزءٌ منهم غارقًا في البنية نفسها التي يُفترض أن عليه أن يحاربها أو يغرد فقط لأنه خارجها . ومع ذلك يؤكد الرئيس أنها حرب «من دون هوادة».
وهكذا يكون السؤال وجيها حول جوهر هذه الحرب؟ أو ما هو تفكير الرئيس في أبعادها؟ ومن أين يجب أن يبدأ؟
صحيح أن الوزير الأول قدّم حصيلة إجراءات ومحاسبات تعكس جدية الرئيس، إحالة 100موظف إلى العدالة على خلفية تهم بالفساد أو أخطاء في التسيير لكننا لا نزال بحاجة إلى “اكتتاب جيش” وفريق قيادي لخوض هذه المعركة الثقيلة.
في تقديري، أننا بحاجة لمشروع يتمدد في قلوب الناس في شكل إطار فكري إلى ما يشبه «نهضة ثقافية» واسعة، وربما ما يشبه الثورة الثقافية الصينية (1966) من حيث نتائجها وأثر وعيها وإعادة تشكيلها للسلوك الجمعي، لا من حيث آلياتها أو تجاوزاتها؛ فقد بنت تلك الصحوة الوطنية الأسس التي جعلت من الصين قوة كبرى بعد نصف قرن.
إن هذه الحرب ليست معركة سياسية تخص الرئيس غزواني لذاته أو رهاناته الشخصية أو السياسية، بل معركة مجتمع ومستقبل دولة. تحتاج إلى زخم شعبي، وإلى قوى حية تنزل إلى الشارع في دعم شرعي لهذه المواجهة من أجل تعكير صفو المفسدين في وكناتهم . كما نحتاج إلى تنظير واسع من النخبة يملأ الفضاء العام حول الفساد وقيم النزاهة، ويدعم هذه الحرب بالمقترحات والمواقف المؤسسة فكريا . فمحاربة الفساد ليست خيارًا سياسيًا نقف معه أو ضده، بل هي حرب وطنية من أجل الوطن، يستوجب علينا جميعًا ألا نتأخر عنها.
ومن هنا يجب أن نبدأ.

من صفحة الإعلامي والمحلل السياسي محمد محمود ولد بكار