السبت
2025/09/20
آخر تحديث
السبت 20 سبتمبر 2025

غزواني والخروج من تحت العباءة

1 أبريل 2019 الساعة 13 و25 دقيقة
غزواني والخروج من تحت العباءة
طباعة

الأستاذ / محمد فاضل ولد الهادي
يقول الله تعالى:
سَبَّحَ لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (1) يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لَا تَفْعَلُونَ (2) كَبُرَ مَقْتًا عِندَ اللَّهِ أَن تَقُولُوا مَا لَا تَفْعَلُونَ.
صدق الله العظيم
هي لحظة نشاز، لحظة خديعة وإساءة إلى أمة بأكملها، تسعون من خلالها أن تواصلوا نفس النهج، وإلى ان تستمروا بنفس الأسلوب.
لم ينسى الموريتانيون خطاب ولد عبد العزيز في العام 2009 الذي أسر به الشعب المطحون، لأن ولد عبد العزيز حينئذ يعرف انه مطحون، فاستغل تلك الحالة الكارثية و أراد أن يثبت للشعب أنه “مخلص”، فخصلهم بالفعل من براثن و قبضة تلك الطبقة السياسية و الاقتصادية و الاجتماعية المترامية الأطراف، لكن الشعب المطحون، لم يفهم أن ولد عبد العزيز إنما أراد توريطه مع قبضة أخرى أكثر شراسة و أكبر بأسا و أسوأ من سابقتها.
كانت تلك اللحظة لحظة نشوة بالنسبة للمساكين، فأعقبها ولد عبد العزيز بلحظات أمر منها، حيث عمد إلى صنع رجال اعماله الخاصين، و سماسرته المتخصصين، و عمد إلى صنع جيل جديد من المنافقين و الحربائيين و الشخيصات الكرتونية كما سمتها كريمة ولد أحمد عبدي، “الزيدانيين”.
تلك هي الحقيقة، المرة التي عايشناها مع حكم ولد عبد العزيز، و لولا أنه كان لدينا أمل، لا نعرف من أين جئنا به، أن يعمد إلى تسليم السلطة إلى المدنيين، و يكبح جماح أصدقائه و رجال أعماله و مصارفه و لصوصه المحترفين، لما كنا ساندناه في بعض مراحل حكمه.
لقد فعل ولد عبد العزيز ما يريد بموريتانيا و فعل ما يحلو له في أموال الموريتانيين، و أراد في الأخير أن يمعن في اهانتهم فقدم صديقه و شريكه في كل تلك الفظاعات و كل تلك الجرائم الكثيرة.
ولد الغزواني جاء فقط لحماية هذا كله.
من باب المنطق أن أي رئيس مترشح يعلن عن نفسه بنفسه، لكن المرشح محمد ولد غزواني جاء بعد مناورة قام بها المقربون من القصر من نواب و رجال أعمال و لصوص مال عام، إنهم يخافون على مصالحهم، و يخافون من مساءلة الرئيس القادم لهم.
لذلك أرادوا أن يتحركوا بسرعة لصالح إعادة انتخاب محمد ولد عبد العزيز، الذي لم يكن يخفي رغبته هو الآخر في إيجاد حل يسمح له بخوض غمار مأمورية ثالثة.
و لكن ضعف ولد عبد العزيز و ضعف المحيطين به فكريا و على أرض الواقع، جعل مهمة أولئك النواب شبه مستحيلة.
حتى استفاق ضمير “الرفيق” على طريقة اليساريين، ليفرض الأمر الواقع على صديقه و يستغل ذلك الضعف و يقوم باعتلاء المنبر يوم جاء خاطبا ود الموريتانيين، لكنه لم يلبث أن أغرق نفسه في وقت قياسي في وحل و نتوءات الجسم المهترئ الذي صنعه ولد عبد العزيز و زمرته المفسدة.
لم يمضي على خطابه الرنان البراق ذاك، إلا أسبوع واحد، حتى ارتمى في أحضان الطغمة الفاسدة من بقايا نظام ولد عبد العزيز، و رمى بعرض الحائط كل تلك القيم و المفاهيم و المبادئ التي اعلن عنها، لأنه يعرف جيدا أن أكبر مشكلة لديه، هو عدم قدرته على اقناع النخب و الشباب، فتوجه إلى معالجة مشكل العمق الاجتماعي، و حاول الذوبان فيه، من خلال حضوره المبكر لكل تلك المبادرات المناقضة لمفهوم دولة العدالة و المساواة في الفرص و في المكانة المستحقة عن جدارة.
رمى نفسه في ذلك الوحل فلم يكد يرى منه سوى رأسه، فقد طغت صور رموز الرجعية و رموز الفساد على صورة المرشح صاحب المقولة الشهيرة “أتعهد و للعهد عندي معناه” حتى أصبحت تقرأ “ألتزم و للالتزام عندي مفهومه الضيق”، بأن أحمي القبائل و أضعف الدولة، بأن أحمي المفسدين و أطمئن الزعيم، أقصد الرئيس على أن كل ما بناه، في تلك العشرية من عمارات و قصور و كل ما صنعه من صقور المفسدين سيبقى ما بقيت أنا رئيسا.
فهمت الرسالة على حقيقتها سريعا، حين رأيناهم يركضون “شباب و شيبا”، يركضون خلفه، و لاحظنا أنه تم اختطافه، فلم تنعم الحالمات و لا الحالمون به إلا بضع أيام.
و قد بات الآن قاب قوسين أو أدنى من مراحل مرت بها موريتانيا منذ زمن بعيد و لم تعد تريد العودة إليها.
محمد ولد الغزواني عليه أن يجيب على عدة تساؤلات محورية و جوهرية، أهم من العهد الذي له عنده معنى، و أهم كذلك من كل تلك النقاط الكبرى التي حدث بها في خطابه ذاك، أهم حتى من مصير البلد.
حكم محمد ولد الغزواني المؤسسة العسكرية طيلة فترة حكم الرئيس المنصرف، فأين هي الاثباتات التي تسمح للموريتانيين بالتأكد من حسن تسييره لمقدرات و ميزانيات الجيش على مر تلك الأعوام الخوالي ؟
ما حقيقة ما تم الحديث عنه بشكل واسع، من خلافه مع وزير التجويع، ولد أجاي، و أوامر ولد عبد العزيز بعدم أخذ موافقته كوزير للمالية في صرف الأموال أو حتى نقلها من الخزينة العامة إلى الجيش ؟
أين هي تقارير المفتشية الداخلية للجيش الوطني؟ و أين هو التدقيق المالي لمحكمة الحسابات؟ و أين هو تقرير المفتشية العامة للدولة حول فترة تسييره للمؤسسة العسكرية ؟
من يريد ثقة الموريتانيين، فعليه أن يعلم بوجود مقولة شهيرة تنسب لـ افلاديمير لينين و تقول “الثقة لا تعدم الرقابة” « la confiance n’exclut pas le contrôle »، فهذه القاعدة هي مرتكز حسن السلوك و حسن التسيير، و دون وجود الرقابة و وجود معلومات دقيقة حول فترة تسيير المرشح للمؤسسات العمومية التي أوكلت إليه مهمة تسييرها، ليس من الحكمة و لا من الرزانة في شيء أن يسلم مقاليد حكم البلد بأكمله، و من لم يسير ميزانية بعشرات المليارات بشكل شفاف ليس قادرا قطعا على تسيير ميزانية سنوية بمئات المليارات بالعملة القديمة.
المرشح ولد الغزواني عليه الكثير من نقاط الاستفهام، و أولها من أين لك هذا؟
أما ثانيها فكيف لك أن تكون مرشح و أنت لم تكن يوما سياسيا، و لم تترأس أي حزب سياسي، و لم تشارك في نضال أي حزب سياسي، كيف لك أن تترشح و أنت لا خبرة لك في مجالات التسيير، كيف لك أن تصادق على الميزانية و تصادق على الاتفاقيات الدولية و تصادق على مذكرات التفاهم، و تصادق على مواثيق التعاون، و أنت لا خبرة لك لا في الإدارة، و لا علاقة لك بأي مجال من مجالات التسيير المشهورة، و لا رؤية اقتصادية لديك، و لا تلعب دورا اجتماعيا معروفا، و لست ذا قدرات خارقة حتى تسند إليك إدارة بلد بحاله؟
هل تريد أن تحكمنا بنفس المنطق الذي حكمنا به ولد عبد العزيز ؟
ألا ترى أننا نستحق أكثرْ مَنْهُمْ أفضل منك، على وزن مقولتك في خطابك، “و لست افضلكم” انتهى الاستشهاد.

محمد ولد الغزواني حماية ولد عبد العزيز و حاشيته و وزراءه من المسائلة، ترقى لمرتبة الخيانة العظمى : ـ عندي أقله ـ لأن حماية أي فرد من المسائلة عن تسييره للبلد، تعتبر جريمة في حق المواطن، خاصة إذا ما علمنا أنه شابت التسيير في فترة “صديقك” الكثير من الشوائب.
أم أنك تراهن فقط على أننا جبناء و أننا شعب مغلوب على أمره، و أنه ليس فينا رجل له قلم يمكنه أن يقدم لك مثل ما أقدمه لك أنا الآن؟
خسرت الرهان إذا، و لتعد من حيث أتيت، فلا أنت تصلح لنا، و لا نحن نصلح لأن نساق كالقطيع، و إن كان فينا منهم كذلك، فأعِدَ حبالك و لُفها حول رقابهِم، و لا حول و لا قوة إلا بالله العلي العظيم.
أطلقوا سراح المدونين، و الكتاب و المثقفين، تمهلوا فالوطن أغلى منكم و أجمل ما يفعل بكم أن تسألوا عما كنت تفعلون في مال هذا الشعب المسكين.
يقول الله تعالى :
وَرَدَّ اللَّهُ الَّذِينَ كَفَرُوا بِغَيْظِهِمْ لَمْ يَنَالُوا خَيْرًا وَكَفَى اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ الْقِتَالَ وَكَانَ اللَّهُ قَوِيًّا عَزِيزًا.
صدق الله العظيم