تعزية

تعازيّ الحارة والخاصة لرجل، ولأسرة من الوطنيين، والمواطنين، ورفاق معهدنا مدد راس
محمذن باب ولد حمدي
كيف لي ألا أقدم تعازي الخاصة والحارة لعائلتي بالتبني خلال السنوات الست الماضية (وعقد من الزمن) من المنفى التاريخي داخل بلدي لخدمته؟
نعم، تاريخية، أقولها وأؤكدها.
تاريخية، لأن الشخص، والإنسان الاجتماعي والمنفتح الذي هو أنا، والذي عاش خارج مجتمعه ليكرّس كل وقته له خلال فترة صعبة سياسياً واجتماعياً من تاريخه.
كان اتصالي المباشر بالمجتمع، وبالأخص مجتمع انواكشوط، محدودًا حصريًا في أسرة واحدة، وهي الأسرة التي أقدّم لها اليوم تعازيّ الخالصة: أسرة محمذن بابا ولد حمدي.
رجل عظيم دعمته زوجة مثالية طوال حياته: شخصية كبيرة، مضيافة، مبتسمة، ذكية، كريمة، ومخلصة للآخرين. لقد فارقتنا بعد سنوات طويلة من المعارك الشجاعة والجديرة التي خاضتها أسرة محمذن بابا، هو وهي في المقدمة.
معركة ضد المرض استمرت سنوات بين مستشفيات وعيادات انواكشوط وغرفة طبية في منزلهم.
غالبًا في غيبوبة!
لقد أظهر هذا الرجل وفاءً وشجاعة وتسليما مستندًا إلى القرآن، تجلّى في التزامه الدائم بأداء جميع واجباته الدينية والسياسية والاجتماعية والأسرية، وأولها اتجاه تلك التي تستحق ما زرعته وجنت خيره في الدنيا برفقته.
كلماتي قائمة على أسس، وهذه الشهادات مقدمة بعلم ومعرفة.
في الواقع، مع محمذن بابا خضت في احسي سيدي (في منتصف الطريق بين تگند والمذرذه ) معركة مزدوجة لا تُنسى ضد التهديدات المتعددة، والأوبئة الثلاثة: كورونا، ومحاولات زعزعة استقرار السفينة الموريتانية، والمضايقات المستمرة لنظام غزواني خلال مرحلة تأسيسه الهشة جدًا.
في احسي سيدي، عشت ستة أشهر من العزلة مع هذا الرجل الاستثنائي!
محمذن بابا ولد حمدي، إمام مسجد احسي سيدي، هذا المتألق المتواضع الذي كان زميلا في الدراسة للعالم العبقري محمد المختار ولد امبالل ، هذا الزعيم التقليدي والمعاصر كانت وطنيته لا تقهر ، استطاعت عبور الصحراء السياسية الموريتانية بكرامة منذ أن خضنا معًا حملة 1992 لصالح المرشح أحمد ولد داداه.
مواقفه السياسية المسؤولة المتميزة بوطنية لا تتزعزع لم تكن لتتحقق بدون عظمة ونكران ذات للروح النبيلة التي فارقته، والتي كان إلى جانبها، كأب وابن ورفيق في كل لحظة لأكثر من أربع سنوات.
اعذروني على الإطالة في لحظة الصمت هذه التي فيها أكثر المعاني بلاغة،
لكن هناك لحظات، وبشكل متناقض، نقول بصوت عالٍ ما لم نكن لنقوله أبدًا.
لقد قلت إن هذه الأسرة سجلت في التاريخ من خلال دعمها المستمر لنضالي، بدون توقف، لأكثر من ألفي يوم، أربع عشرة ساعة من كل أربع وعشرين ساعة (لم يسبق لهذا مثيل في البلاد).
تم تدوين هذا النضال في آلاف الصفحات والصوتيات وعشرات المقابلات .
هذا النضال سيظل بلا شك جزءًا من تاريخ موريتانيا المستقلة.
ومع ذلك، سأذكر هنا مثالين فقط:
1- في منزلهم، الذي تحوّل إلى فندق بالنسبة لي، أقمت ثلاث أسابيع لصياغة اقتراحين استراتيجيين الي العناية السامية لفخامة الرئيس غزواني:
● اقتراح استراتيجية الاتصال الرئاسي للفترة الرئاسية الأولى؛
● اقتراح استراتيجية الإدارة الاقتصادية والمالية في ضوء نتائج أعمال التحقيق البرلماني.
(انظر كتابي المفتوح 1/12..)
2- مثال آخر! لقد عرضت على محمذن بابا ولد حمدي، عضو المكتب التنفيذي للتكتل، “اقتراح أفكار للعهد الجمهوري” في نزل يبعد 20 كم عن انواكشوط، بحضور صديقه الإمام أحمد الذي تعرفت عليه عبر محمذن بابا.
في نفس المساء، أرسلت عبر واتساب الخطوط العريضة لعرضي الي فخامة الرئيس غزواني الذي "أخذ علمًا بذلك".
أنتم تعرفون أفضل مني ومن محمذن بابا، ما تلا ذلك من أحداث.
الأفكار التي تَنسى صانعها غالبًا ما تنطفئ سريعًا!
أعتقد بصدق أن الاستاذ والإمام والزعيم محمذن بابا يستحق في هذه المناسبة، وسابقًا، التعازي والاعتراف بالدور التاريخي الذي لعبه عبر معهدنا مدد راس من جميع الوطنيين الشرفاء، بدءًا من الرئيس غزواني.
وبذلك، من خلال هذه الشهادة، نعتبر أننا قد قمنا بواجب تفرضه علينا ضمائرنا الوطنية والمهنية.
كان هذا مجرد الجزء المرئي من جبل الجليد..
ليجد الجميع هنا تعبيرًا عن محبتنا وتضامننا وتعازينا.
رحم الله تعالى الفقيدة فاطمة بنت محمبيد، وغفر لها، وتغمدها برحمته الواسعة، وأسكنها فردوسه الأعلى، وجعل قبرها روضة من رياض الجنة إنه سميع مجيب.
**
محمد بن محمد الحسن
رئيس معهد مدد راس
27/8/2025