مهرجان أطار الثقافي اليوم الأخير: حين يلتقي المسرح بالمقاومة والهوية

يقول شكسبير: «أعطني مسرحًا أُعطك شعبًا»، وقد تجلّت صدقية هذه المقولة في اليوم الأخير من مهرجان أطار الثقافي، حيث تحوّل المسرح إلى فضاء يعكس الإبداع والهوية وروح المقاومة الوطنية.
مشاهد فنية وإبداعات شبابية
على مدى ثلاثة أيام، استمتع جمهور المدينة بلوحات مسرحية وفنية جسّدت قضايا المجتمع وهمومه اليومية. تناولت الإسكتشات الشبابية مواضيع هجرة الشباب، وأهمية السياحة الداخلية، ومضار الإنترنت، وحقوق الجار، واللحمة الوطنية، بأسلوب فكاهي قريب من الواقع، ما دفع الحضور للتفاعل بحيوية داخل دار الشباب القديمة.
وتنوعت فقرات المهرجان بين المديح النبوي، والفلكلور، والغناء باللغات الوطنية (السوننكية، الولوفية، البولارية)، في لوحة جامعة جسّدت وحدة المجتمع وتماسكه. كما شهد اليوم الثاني عروض فلكلورية وأغانٍ ورقصات آدرارية قديمة، بينها مسرحية «سيد أحمد لمقومت»، وأحياها الصغار والكبار بروح جماعية تعكس أصالة المدينة. كما قدمت فرقة أطار مقطوعتها الشهيرة «مان خايفين أولان طامعين» بعفوية وصدق.
آدرار… مهد المقاومة
اختار المهرجان أن يختتم فعالياته بذكرى المقاومة الوطنية، التي انطلقت من جبال آدرار لتشعل روح النضال في عموم البلاد من خلال عرض مسرحي حي.
في ربيع 1905م، حين استقر الحاكم الفرنسي كبولاني في قلعة تجكجة متوهّمًا أن المستعمر قد بسط نفوذه، نهض الشريف سيدي ولد مولاي الزين، متشحًا بإيمان لا تهزه المدافع ولا تفرقه الولاءات المتناثرة. كان اغتيال كبولاني في يونيو من العام نفسه الشرارة الأولى لملحمة الحرية في موريتانيا.
امتدت الملحمة في شخص الأمير سيد أحمد ولد أحمد عيده، الذي قاد معركة تجكجة في 18 يونيو 1905م، واستمر الكفاح بين آمساگ وأماطيل ووديان تيشيت بين 1909 و1912م، مهاجمًا الحاميات وقطع خطوط التموين، مدعومًا بالمقاومة الثقافية والدينية لمشاييخ المحاظر وأئمة المساجد. وحتى بعد أن أعيد الأمير إلى الإمارة سنة 1913م بسلطات شكلية، ظل قلبه معلّقًا بالميدان، وما إن واتته الفرصة سنة 1932م حتى خاض معركة "الگلب الأخضر" قرب وديان الخروب، مستشهدًا وهو يقود رجالًا أشداء، تاركًا اسمه في سجل الخلود.
وقد شهد بذلك الأعداء قبل الأبناء، فقد أقر القائد الفرنسي غورو قائلاً:
«لم نلق مقاومة في غرب إفريقيا أشرس وأصعب من متمردي آدرار.»
أما كريستيان لوجري، فقد كتب في رسالة سرية إلى وزيره:
«إن الأفارقة قلدونا في كل شيء إلا موريتانيا… وما زالت مكتباتها عامرة، ولهم قضاؤهم المستقل…»
ذاكرة حية وهوية جامعة
أثبت المهرجان أن المقاومة ليست مجرد تاريخ مضى، بل هي هوية ملهمة تُضيء الحاضر وتفتح آفاق المستقبل. وأعاد المهرجان لأطار إشعاعها الثقافي، وأيقظ حنين السبعينيات والثمانينيات حين كانت المدينة منارة ثقافية بارزة.
وعبرت الأستاذة سنية سيدي هيبة، الوزيرة السابقة والمديرة العامة للتلفزة الموريتانية، عن أملها بأن يكون هذا المهرجان بداية يقظة لأبناء الولاية الذين تفرّقوا في جهات الوطن، تاركين الربوع تعاني الإهمال.
دعوة للتنافس الثقافي
إن مشاركة الجمهور والشباب المبدع في هذا المهرجان تشكل اعترافًا بقيمة ما نملك في آدرار، وتشجيعًا لكل مبادرة تعيد لهذه الولاية مكانتها في الذاكرة الوطنية. فالثقافة ليست مجرد ترف، بل فعل مقاومة وصون للهوية، والمنافسة في المهرجانات والملتقيات والندوات العلمية والثقافية أفضل من الاكتفاء بالنقد العقيم.
لقد تعرفت في هذا المهرجان على شباب مبدع لا تربطني به رابطة إلا حب العطاء، شباب يجسد قول الأستاذ الدكتور محمد سيديا ولد خباز —رئيس جامعة نواكشوط سابقًا— بأن أبناء آدرار إذا دخلوا في عمل أتقنوه وأبدعوا فيه.
وفي النهاية، يثبت مهرجان أطار أن المسرح مرآة الشعوب وصوت هويتها، وأن الثقافة قادرة على جمع الماضي بالحاضر، وإلهام المستقبل.
لمرابط ولد لخديم