لا يمكن أن يستقيم أمر هذا البلد إلا بثلاثة أمور أساسية

لا يمكن أن يستقيم أمر هذا البلد إلا بثلاثة أمور أساسية:
أولًا: سيادة القانون بصفة عامة، وإنفاذه بشكل خاص في القضايا المرتبطة باستقرار البلد، خاصةً تلك المتعلقة بالتجييش الشرائحي و العرقي.
فعندما يؤمن الجميع بأن القانون فوق الجميع، ولا يستثني أحدًا، سيُجبر الكثيرون على احترامه، وسيتقبل المجتمع شرعية العقوبة. هكذا وحده يُبنى الإيمان بعدالة الدولة.
ثانيًا: وقف تفتيت مركز السلطة.
ويتحقق ذلك بتنحية الشخصيات التي تحاول الاستئثار بجزء من السلطة، أو التي يُخيّل لبعض المواطنين أنها مراكز قوة، مما يُربك الرأي العام والفاعلين في الدولة.
ولنا في التاريخ القريب مثالٌ واضح، ففي سنة 1966، عندما بدأت تتشكل تيارات حول الرئيس المختار ولد داداه، أحدها بقيادة محمد ولد الشيخ ولد أحمد محمود، ومن أبرز أعضائه: يحيى ولد منكوس، وكانْ آلمان، وبمب ولد يزيد، والجناح الآخر يرأسه أحمد ولد محمد صالح (رحمهم الله جميعًا)، قام الرئيس المختار بإقالتهم من الحكومة، ووزعهم على مناصب إدارية، حتى ترسّخ في أذهان الناس أن مركز القرار والحكم هو المختار وحده.
اليوم، نحن بحاجة إلى خطوة مماثلة، إذ لا تزال الصالونات السياسية والفضاء الأزرق (وسائل التواصل الاجتماعي) تلهج بأسماء تعتبر مراكز قوة داخل النظام الحالي، وهو ما يجب وضع حد له لترسيخ وحدة القرار السياسي.
ثالثًا: التركيز على الكفاءة قبل التوازنات.
من الضروري إخضاع الوظائف الفنية لمعايير واضحة، أو امتحانات نزيهة، تُمكّن الجميع من معرفة من يستحق المنصب ومن لا يستحقه.
أما تعيين الوزراء، فيجب أن يتم بناءً على تصور واضح، وبرنامج محدد وفق توجهات الدولة أو أولويات المرحلة ، سواء للإصلاح أو التنظيم أو الترقية، وبالتالي يجب محاسبة كل وزير بناءً على ما تحقق من برنامجه.
أما اليوم، فتعيين الوزير يتم وكأنها مهنة مفتوحة، وغالبًا ما يُقال دون أن يصل للأهم ودون معرفة الأسباب، ويأتي من خلفه بنفس الطريقة، مما يفقد الدولة الاستمرارية والتراكم المؤسسي، فكل وزير يبدأ من الصفر في التصور والتخطيط ويذهب دون أن يفهم الكثير .
ينبغي وضع مرجعيات واضحة لتسيير البلد، ولو في جوانب محددة. وفي هذا السياق، من الضروري تحديد أسباب الإقالة. فعندما يُقال وزير نشط وحيوي بشكل مفاجئ، مثل بعض الوزراء الذين أُقيلوا مؤخرًا، فإن من حق الرأي العام أن يعرف السبب.
فهذا الوزير موظف عمومي، ومساره المهني أصبح ضمن الشأن العام، وأي قرار يخصه يجب أن يكون درسًا لمن يأتي بعده، سلبًا أو إيجابًا. وهكذا، يعرف الناس متى يُكافأ المرء ومتى يُعاقب، ويترسخ لديهم مفهوم الكفاءة والاستقامة وما يترتب عليهما.
وقد كان هذا معمولًا به زمن الرئيس المختار، إذ كانت أسباب العقوبة تُذاع مع القرار. فعلى سبيل المثال، تم تجريد رئيس دائرة لعيون لأن الحاكم التابع له في تامشكط (وكان عضوًا في المجلس الوطني للحزب) شعر أن الوالي قلل من شأنه خلال زيارة وفد رسمي للولاية، حضره حكام المناطق. فصدر قرار بفصل الوالي، وذُكر فيه أن سبب التجريد هو “عدم الانضباط والإهمال الممنهج”.
وخلاصة الأمر: أن العقاب يتم بطريقتين، إما عن طريق القانون، أو عن طريق المجتمع.
فالأخطاء الكبيرة يعاقب عليها القانون، أما الأخطاء الصغيرة، فيكفي أن تُذاع ليقوم المجتمع بعقاب صاحبها بنبذه أو إدانته المعنوية.
إن هذا البلد لا يزال يتطلب إجراءات تأسيس حقيقية، ويحتاج إلى تراكمٍ مؤسسي.
لكن، للأسف، نحن لا نولي ذلك أي أهمية، ونحاول القفز على تراث قبلي يمتد تاريخه لأكثر من ألف سنة، إلى التحضر الكامل من خلال تجربة وطنية لم تتجاوز السبعين سنة، في ودولة فقيرة وغير متعلمة.
علينا أن نرتكز على حقائقنا، ونبني دولتنا ونظامنا الإداري والسياسي انطلاقًا من هذه المعطيات، وبما ينسجم معها.
الإعلامي والمحلل السياسي محمد محمود ولد بكار