متى سنسلم مفوضية الأمن الغذائي لمن يفهم هدفها الوطني العميق!؟

عندما تسلّم محمد خونه ولد هيداله الحكم، أنشأ 1981 مفوضية للأمن الغذائي للأهداف التالية : -متابعة ورصد الوضع الغذائي للسكان على امتداد التراب الوطني.
– وضع آلية وطنية للوقاية والاستجابة للأزمات الغذائية والتغذوية.
– دعم القدرة الشرائية للمواطنين من محدودي الدخل و تحسين الإنتاج والإنتاجية للفئات الهشة، لتعزيز قدرتهم على الصمود أمام الصدمات الخارجية.
– تنفيذ برامج ومساعدات غذائية ونقدية، ودعم النشاطات المدرة للدخل، ودعم وتأهيل إنتاج المزارعين.
– المساعدة في أوقات الشح والجفاف، توفير الأعلاف والأسمدة المدعومة في بعض الحالات .
– تأمين استقرار أسعار المواد الغذائية الأساسية في مواجهة التغيرات الخارجية والإقليمية والدولية.
– دعم القدرات الإنتاجية، خاصة في المناطق الريفية والحدودية، وتحسين البنية التحتية مثل التخزين والنقل .
فبعد أربعة عقود ونصف يحق لنا التساؤل عن ماذا تحقق من هذه الاهداف ؟
وقد ازداد دور المفوضية أهمية بعد تعرّض البلاد لسنوات متتالية من الجفاف الماحق، ما أدى إلى تحوّل وظيفتها من ضمان الأمن الغذائي إلى الإنقاذ والتدخل السريع لحماية الفئات الهشة من المجاعات، خاصة في أوقات الكوارث، سواء بسبب الأمطار أو في فترات القحط. ومنذ ذلك الحين، أصبحت المفوضية تعتمد على تسلّم المعونات الغذائية وتوزيعها، مبتعدة بذلك عن هدفها الأصلي المتمثل في تحقيق الأمن الغذائي.
– توجه جزئي فاشل نحو المبدأ
في عهد الرئيس معاوية ولد سيد أحمد الطايع، تم تبني خطة لدعم جهود السكان المحليين من خلال برنامج “الغذاء مقابل العمل”، لدعم قدرات السكان الإنتاجية حيث أصبحت المساعدات توزّع مقابل عمل ينجزه المواطن لفائدته، سواء في حقله أو في واحته. وقد شكل هذا البرنامج أول تجربة تهدف إلى رفع مستوى الإنتاج، لكنها لم تعطي نتائج كبيرة بسبب الفساد الذي كان يشكل الاطار العام لتلك الحقبة .
ومنذ ذلك الحين، ظلت مفوضية الأمن الغذائي تُعامل كغنيمة للموظفين المعيّنين عليها، يستغلونها لأغراض الثراء الشخصي وأهداف دعم النظام الحاكم ، حتى وصلت إلى وضعها الحالي، الذي يُتداول فيه الحديث عن فساد مستشرٍ وسوء تدبير غير مسبوقين ، رغم تلقيها مليارات الأوقية من المساعدات من اليابان، ومنظمة الأغذية والزراعة العالمية، ودول أخرى، فضلًا عن عشرات آلاف أطنان الحبوب وآلاف الكيلومترات من السياجات الزراعية.
ومع ذلك، فإن الواقع المزري للزراعة المطرية، وبقاء موريتانيا دائما ضمن الدول المهددة بالمجاعة وظروف المواطنين المستهدفين بتدخلات المفوضية التي لاتكاد تعرف تحسنا ، والبنى التحتية المتهالكة للسلة الزراعية وضعف القوة الشرائية وعدم القدرة على مواجهة الصدمات والهشاشة مما يجعل جهود المفوضية كأنها موجهة لأمور أخرى ؛إذ يظهر انكماش المساحات الزراعية، وضعف المحاصيل، وارتفاع أسعار الحبوب بشكل ملحوظ بينما تظل فكرة الأمن الغذائي نفسها غائبة تمامًا في هذا المسار .
إن مفوضية الأمن الغذائي بحاجة ماسّة إلى العودة إلى هدفها الأصلي، المتمثل في ضمان الأمن الغذائي الوطني. ويتطلب ذلك عملًا جوهريًا وتأسيسيًا يُعيد تنظيم الإنتاج الوطني من الحبوب، من خلال دعم السكان المحليين، وتأهيل حقولهم، وتوفير الحماية لمنتوجاتهم.
فكما تم تحقيق خطوات مهمة في زراعة الأرز والخضروات تحت شعار الاكتفاء الذاتي الذي تبناه رئيس الجمهورية بقوة ، يمكن للمفوضية أن تتبنى خطوات مماثلة في مجال زراعة الحبوب فتمتلك من الإمكانات والصلاحيات ما يؤهلها لإطلاق ثورة زراعية حقيقية في هذا المجال، لا سيما أن معظم القرى والمناطق في البلاد تحتوي على سدود أو أراضٍ صالحة للزراعة.
لقد هجر الأهالي الزراعة المطرية بسبب شُح الموارد، وسوء الأوضاع، وغياب التأطير، وافتقاد الدعم الحقيقي الذي يهدف إلى التنمية والاستمرارية. فالمساعدة يجب أن تُقدَّم لتشجيع الإنتاج، عبر تثبيت السكان في مناطقهم، وتقديم الدعم الكافي لزراعة الأراضي المتوفرة لديهم، وضمان حماية منتوجاتهم، وتوفير إمكانيات البيع أو التخزين، بما يعزز قدراتهم المحلية.
أما المساعدات التي تُستخدم لتبرير الفساد وسوء التسيير ، والتي تظهر في إعادة بيعها في السوق المحلية رغم أنها موجهة للفئات المحتاجة، والتركيز عمليات التوزيع جزئية تحت كاميرات الإعلام فتبقى غير مجدية، لا تخدم المواطن ولا تحقق أهداف المفوضية وهي المعمول بها في الغالب الأعم مع تصدير أرقام مهولة عنها لاعلاقة لها بالواقع .
لقد آن الأوان لتوجيه جهود الدولة بصفة اساسية وقوية لأهدافها خاصة مفوضية الأمر الغذائي .
فمتى سنعطي هذا المرفق لمن يفهم هذه الفكرة ويملك المؤهلات والحوافز الوطنية لتنفيذها لا للبحث عن الثراء على حساب مشروع وطني كبير وأساسي في دعم التوازن الغذائي والاجتماعي في البلد وعلى حساب قطاع عريض ورث من المواطنين .
المختار ولد محمد