التصغير في وجه التكبير نظرة خاطفة للإصلاح العام

ابتداء، يجب على المجتمع الموريتاني أن يبارك الإجراآت الرئاسية المتعلقة بمكافحة سوء التسيير ومشتقاته، لأنها خطوة مطلوبة بإلحاح ويجب تعميقها وتطويرها لما لها من أهمية في تصحيح الأداء الحكومي العام.
لكن من المهم، موازاة لذلك، أن تكافح الحكومة فساد العقول وانحراف الوعي لدى المجتمع عبر وسائل التأثير الإعلامي والثقافي إذ الفساد منها، فمجتمعنا للأسف يصنع الفاسدين والعجزة والمقصرين والمنحرفين والمحتالين من خلال تربية فاسدة بتوزيع قيم معكوسة على الأفراد وإنفاذهم إلى مفاصل الدولة للتحكم في عملها وريعها: فالمحتال لدينا شاطر، وغير الأمين ذكي، والمستقيم مغفل، ومن يراعي المصلحة العامة أحمق، والمبذر "مشعشع"، والبخيل رشيد، والمتعجرف قوي الشخصية، والمهذب ضعيف الشخصية، والجاد نكد، والحاذق متخلف..
كل ذلك تقديرا من "موزعي القيم" حسب القاموس اللغوي السائد. وهم بالمناسبة طبقة طفيلية في أغلبها.
وأعمق من ذلك وأكثر إثارة للقلق ماتعكسه لغة الشارع المتداولة يوميا وهي انعكاس للحياة، ففي المفاهيم السامية وتلك التي يجب أن تقدر نلاحظ أنها مصغرة لفظيا لأنها صغيرة في عيون الشارع، وعقول الناس، فالحزب حُزيْب، والحكومة حويكيمة، والدولة دويلة، والعاصمة عويصمة.. والوزير أويزير، والمدير اميدير، والبنك بنيك، والشارع شويرع، والطائرة طوييرة، والفضة فُظيظة، والدراعة دريريعة والملحفة مُليحفة، و أخطر من ذلك: الطبيب طويبيب، والأستاذ استيّذ، والمعلم معيلِّم، والرجل رويجل، والمرأة مريّة، والأب أبيٌّ، والأم أميمة، والإمام أميْم، والكاتب كويتب، والشاعر شويعر... وهكذا.. وهكذا..
إن مجتمعا ينظر إلى قيمه وصفاته وأفعاله وألقابه.. بهذه السوداوية والاستهتار يجب أن يخضع لإعادة تأهيل نفسي اجتماعي وتربوي ووطني حتى يستعيد هو و أبناؤه الثقة في نفوسهم وفي مجتمعهم ووطنهم.
من صفحة الدكتور محمد أحظانا