وادي المخازن وخلل الموازين / الجزء التاسع
الحنين استشعار عن قرب أو أي مسافة أخرى ، لا يحتاج للضغط على زرِّ آلةِ تَحكُّمٍ عن بعد ، او وسيلة مُبتكَرة مستقبلاً أكثر نجاعة للتمَكُّن مِن ذلك ، بل بأمر صادرٍ عن عقلٍ لتتحرك الذاكرة وفق المكان المحدَّد والتوقيت المصاحب الحدث المطلوب للحضور ، رؤية واضحة أمام الراغبِ في فحص ملفه السري بينه وبين نفسه ، لغرضٍ هو أدرَى به يعيده للحظات حبور ، أو الخوف من عذاب القبور . الحنين استئصال فكرة الوحدة للإنفراد بالضياع لتغلُّبِ اليأسِ وانتهاء الأحاسيس للنفق الضيق العديم المخرج ، و بالمقابل تمكين الانفراج مِن فسحة التأكيد أن لكل متحرٍّك عاقل فرصة التعلق بالأمل ، على ضوء استقراء فحوى المُسُجَّل في ذاكرته منذ وعيه أنه مخلوق عاقل ، إلى آخر رمشة عين له في الحياة الدنيا. ... القصر الكبير مدنٌ في مدينة ، أطنان تفوق أى وزن للأوزان ، من ركام هدَّ صمود وقفاتها قصوراً الزمن ، وأساطير لا تُحصَى ترويها الأيام لشقيقاتها عبر الكثير من الأعوام ، وهبوب أعثى الرياح ناحتة أصداء حياة بدائية على بساط بسيطة تبدلت ألوانها عبر عصور ، بمشي ملايين المخلوقات العاقلة والغير العاقلة ، غابت قبور اغلبيتها من بشر ، لتُدفن مرات فتستقرَّ في باطن باطن الأرض ، وعلى التنقيب مسؤولية تحديد الطبقة التي ترسو عليها المدينة ، بعد كل تلك الحقب غير المحصورة لحد الآن بعلم مختص ، ما دامت القصر الكبير مُعرَّضة لعدم الاكتراث الرسمي ، لدرجة لا تقتصر على إهمال وتهميش ما لها وما عليها ، بل التخلي شبه المطلق عن المعرفة القادرة على التأكيد لمن لم يتأكد بعد ، أنها من أولى التجمعات السكنية ، التي عرفتها المنطقة قبل تأسيس الدولة المغربية كدولة بمراحل . ولو كانت الأخيرة تسعَى لتنمية مدينة ، لبدأت بمن تملك مقومات احتضان ذلك منذ مدة ليست بالقصيرة ، لكنها اهتمت بغيرها ممن تُذَكٍّر أن التمدُّن والتحضُّر انطلق فيها ، منذ وجود فئة حاكمة كل مثقال نماء ازداد فبفضلها ، فئة اعتقدت أنها التاريح بماضيه وحتى مستقبله . ومع ذلك استطاعت القصر الكبير الوقوف على رجليها والفضل عائد لما ورثته مما بذله رجال ونساء منحوا حياتهم كلها لبناء طوبة طوبة ما تزخر به من أسس قابلة للبدء مع مرحلة الازدهار ، متى عمَّ الانصاف كل الربوع ، بتوزيع الثروة الوطنية على الجميع ، وأيضا قابلة للتعايش مع الأدنى الذي تنتجه اعتمادا على نفسها دون الانبطاح أو بيع كرامتها مقابل تطبيق سياسة القوي بالباطل ، للتحكم في الضعيف المُذل . علما أنها أسقطت الانبطاح والذل من قاموسها، مستبدلة إياهما ب :"النِّد للند والكل بعد التسعة أشهر هم مواليد" .
.... القصر الكبير المدينة استوعبت جيدا وبسرعة قصوى المطلوب منها لإنجاح معركة الفصل المصيري بين مرحلتين من أجل هدفين ، مرحلة الاختيار عن قناعة الانسجام مع حكم سلاطين فرقت بينهم الأسماء العائلية ومصادر الانتساب الحقيقية ، وأحيانا تطاحنات شجعت الغرباء من الضفة الشمالية للأبيض المتوسط ، للسطو على مدن مغربية كسبته و مليلية و طنجة وأصيلا ، أو الالتفاف حول شرفائها من فقهاء لهم التقدير والاحترام ووجوب سماع نصائحهم المنظِّمة لمشاغل حياة مواطنيها اليومية ، والهدف الأول من وراء ذلك البقاء على حياد ايجابي اتجاه هؤلاء السلاطين الذين كان نطاق اهتمامهم (خلال مراحل معينة) يتمحور حول مدينتي مراكش و فاس ، وما يحيط بهما من قبائل لها مقراتها الموزعة على عشرات الدواوير أو القرى ، فاقدة التنسيق فيما بينها ، تابعة لمن يحميها ويجلب لها حقا من غنائم معينة معروفة الوسائل المستعملة من طرف روادها بعض حكام طامعين في توسيع نفوذهم مهما قدموا من أجل ذلك ، كالخيانة والارتماء بين أحضان اتباع الكنيسة المسيحية ، أما الهدف الثاني مبتغاه التنفيذي منسجم سيكون مع أول حدث قادر على التأثير الواصل بَعْدَ المساحات المحلية الوطنية تلك الدولية ، فكانت معركة وادي المخازن المحسوبة ليس عما سبق وحسب وأنما على واقع مستقبلي يفرض اسم القصر الكبير كمحطة تحريك محور التغيير القاصد الاطاحة بالطالح من أجل ترسيخ الصالح ، الضامن الانطلاقة المنشودة لغد الكرامة والعزة والحرية ورفع راية التعايش بين الخَيْرِ والخيِّر ، والارتقاء بأي نظام حكم جديد ، من السيطرة القاهرة ، إلى التدابير النيرة ، قوامها العدل والمساواة واحترام حقوق كل إنسان ليتمكَّن من القيام بواجبه .
مصطفى منيغ
سفير السلام العالمي
مدير مكتب المغرب لمنظمة الضمير العالمي لحقوق الإنسان في سيدني – أستراليا
212770222634



