بعد خطابات الرئيس وتدوينته عن الفساد يجب أن يتغير الوضع وبصفة خاصة نمط الزيارات.. فهل سنلاحظ ذلك في زيارة لعصابة
إن زيارات الرئيس ذات الطابع العملي يجب أن تُنزَع منها تمامًا مظاهر الاستقبال الشعبي المصطنع، وحشود الأطر التي تُستدعى للتجمّل السياسي؛ فهذه الممارسات تتناقض جذريًا مع ما أعلن الرئيس غزواني أنه سيحاربه في مأموريته: الفساد والقبلية.
فالحشود التي تُجمع تحت يافطة “الاستقبال الشعبي” ليست سوى عمليات شحن قبلي، تتنافس فيها مجموعات وأطر ووجهاء على إظهار النفوذ، لا على خدمة الدولة. وهي في جوهرها تعيد إنتاج النمط الذي يريد النظام تجاوزه، بدل أن تساعده على ترسيخ ثقافة جديدة. وفي المقابل، يكفي تنظيم مهرجان شعبي تتولّى الإدارة المحلية، وبالتعاون مع المنتخبين، التحضير له بوسائل وطنية وهدف وطني واحد: أن يستمع المواطنون لرئيسهم بلا وسطاء ولا ضجيج قبلي.
أما حضور الأطر في مشاهد الاستقبال، فإنه يحمل من المفارقات ما يكفي للحكم على التوجهات بالتناقض ؛ فهو يعتمد على الحشد، والحشد يحتاج إلى إنفاق يفوق قدرة أي موظف مهما علا منصبه. وهو في الوقت نفسه تعطيل لساعات العمل وتعطيل لمصالح الناس، بما يجعله أحد أشكال الفساد التي تجري برعاية الدولة دون أن تعنيها. هذا فضلًا عن أنه يعيد تشغيل العصبية القبلية بآلياتها التقليدية، فيظهر المشهد السياسي وكأنه منافسة بين قبائل لا بين رؤى وطنية.
ولهذا يجب أن تتوقّف هذه الكرنفالات نهائيًا، حتى يقف الرئيس وجهًا لوجه مع المواطنين المحليين، ويتعرّف على أوضاعهم الحقيقية دون رتوش ولا وسطاء. فغير ذلك يضع النظام أمام تناقض محرج ويضع الذين يدافعون عن هذه القرارات كقرارات وطنية أيضا لتسفيه : كيف يمكن الدفاع عن مشاريع وإعلانات يعتبرها مكاسب وطنية، بينما تُقدّم للناس بأسلوب يعيد إنتاج نفس البنى التي تفسد السياسة وتنهك الدولة؟ إن المكاسب الوطنية لا تُحمى بالحشود القبلية، بل بإسناد شعبي واعٍ ومؤطر يحمل مضامين الخطابات ، ويجعل القرار ثابتًا للوطن يمكن أن يبنى عليه للمستقبل لا عابرًا مع الأشخاص.
ثم إن أي قرار وطني واسع الأثر يحتاج إلى شرعية شعبية حقيقية وصدى اجتماعي فعلي. فإذا ظل القرار مجرد بيان إداري لا يتصل ببقية السياسات ولا يتناسق معها، فإننا نكون بصدد شكل من أشكال العبث السياسي الذي لا يليق بدولة تحترم نفسها. …ولا أعتقد أن أحدًا يملك قدرًا من المسؤولية يمكن أن يقبل بالانتماء له أو الدفاع عنه ،إننا ندعم القرارات من أجل التراكم ومن أن تبقى لمصلحة البلد .كما أن مدلول الشراكة السياسية التي ظلت صورية لحد كبير بالنسبة لحملة الفكر وأصحاب الآراء الحرة القادرين على التوجيه والنصح يجب أن تكون لها انعكاس على القرارات.
من صفحة الإعلامي والمحلل السياسي محمد محمود ولد بكار




