الأربعاء
2025/10/22
آخر تحديث
الأربعاء 22 أكتوبر 2025

زيارة ناجحة بكل المقاييس لكن التحدي أكبر بكل المقاييس

3 فبراير 2020 الساعة 10 و05 دقيقة
زيارة ناجحة بكل المقاييس لكن التحدي أكبر بكل المقاييس
طباعة

‎بعد نجاح المرحلة الإنتقالية، جاءت الحكومة الموريتانية بقضّها وقضيضها، برئاسة الوزير الأول حينها الزين ولد زيدان، إلى فرنسا للمشاركة في نادي باريس ،من أجل شطب الديون والحصول على تمويلات دولية لدعم الإقتصاد الموريتاني المنهك،ولايحملون في سلتهم سوى نجاح الإنتقال السلمي للسلطة في البلد .
‎كان العالم في أشد الحماس لدعم التجربة الموريتانية كنموذج في إفريقيا ،وتعهد كل طرف بمنحها قروضا ميسرة وتمويلات لكل مشاريعها ،وخرجت الحكومة مرفوعة الرأس لأنها حصلت على مبلغ ضخم (إعلان النية )بعدة ملياريات ، في حين كانت تحمل مشاريع بقيمة مليار وستة مائة مليون دولار في خطة طموحة لبناء الإقتصاد الموريتاني . أمضت الحكومة على تحضيرها عدة أشهر .
‎اليوم تحصل موريتانيا على 2مليار دولار على بياض لمجرد زيارة الرئيس ،إنه في الحقيقة عون سخي لا مثيل له والبلد بحاجة ماسة له ،ويمثل دعما قويا للبلد ولمركز ولد الغزواني الوطني والخارجي و التفاوضي اتجاه الممولين الأجانب والشركاء ،حيث لم يعد في الوضعية نفسها من الفاقة والحاجة التي كانت تجبره على قبول جميع شروط الممولين مهما كانت فوائدها مرتفعة.إنه موقف أخوي شهم وكريم لن ينسى للإمارات .لكن كيف وبأي طريقة يستفيد البلد من هذا المبلغ الضخم ؟وهو يوجه ثلاث مشاكل كبيرة : (فساد واسع وعميق ،ديون فوق طاقة البلد وغياب خطة إصلاح وعمل ).
‎فهل البنية الاقتصادية والإدارية والبرامجية قادرة على استيعاب تدفق هذه التمويلات؟ وهل هناك اصور لإعادة ضخها في الإقتصاد الوطني من أجل إستفادة أفضل وأوسع للمواطنين ؟وهل تملك الحكومة خطة لتوزيع عادل لهذه العروض الميسرة والإستثمارات ؟ إذن كيف يتحول هذا الدعم إلى نجاح تصعد به موريتانيا إلى أعلى في السلم الإقتصادي؟ وكيف يستفيد الشعب الذي تبحث الحكومة عن تخفيف معاناته ودمجه في الحياة النشطة من هذا الدعم ؟وكيف لاتستحوذ عليه جماعة معينة بسبب وضع شروط لا تتوفر إلا في القلة للإستفادة من تلك القروض الميسرة ؟وكيف تنعكس فائدته على القوة الشرائية وعلى البطالة والفقر؟ أعتقد أنه يتعين على محمد ولد الشيخ الغزواني أن يقوم بخطوات واضحة نحو محاربة حقيقية للفساد في البلد،وان يفرض حماية جديدة صارمة وقوية وشروط قاسية على التسيير ،ويسرف هو نفسه على وضع بنية لإصلاح شامل يدعمه تصور وخطط وبرامج تقوم على الرفع من أداء القطاعات القاعدية ،والإقتصاد الحقيقي: الصناعة والزراعة والصيد والتنمية الحيوانية والسياحة . هذه هي القطاعات التي يعيش فيها الشعب الموريتاني ويعيش على ريعها. كما يتعين عليه أن يستفيد من الخبرات الوطنية خاصة النزيهة وصاحبت التجربة في وضع ذلك التصور وتلك الخطط ،سواء المؤسسات أو مراكز الخبرة والدراسات أو مراكز رصد الفساد ومتابعته ،أي أن تكون عملية وطنية واسعة مفتوحة لجميع الخبرات الوطنية .
‎لقد حصل ولد الغزواني على فرصة إضافية للنجاح ،بعد الهدوء السياسي ،فهل سيستثمرها بأحسن ما يكون، أم سيتركها لنفس المجموعة التي التهمت إقتصاد البلد مرات عدة، أي كلما حققت لها الظروف أن تقع في المواقع والأماكن التي تحرك من خلالها في دفة قرار تسير الموارد والمداخيل ،لتوجهه لنفسها وتترك الشعب يتلوى في بؤسه وشقائه ،وعندما يتم قلب النظام الذي أفسدته هي ،تأتي مجددا لتتكالب عليه مستخدمة علاقاتها وتضامنها وتقوم بنفس العملية ! فهل فهم غزواني ذلك جيدا أم لا ؟ وهل فهم حجم التحدي :أي أن النجاح سيكون عظيما ،وأن الفشل سيكون شنيعا.
من صفحة الكاتب والمحلل السياسي محمد محمود ولد بكار