الأحد
2025/10/19
آخر تحديث
الأحد 19 أكتوبر 2025

عقدة الرجل المقيم في الخارج

4 مايو 2023 الساعة 10 و55 دقيقة
عقدة الرجل المقيم في الخارج
طباعة

أحجمتُ عن التعليق على محاكمة الرئيس السابق محمد ولد عبد العزيز، ولم أسْعَ لحضور جلساتها، أثناء فترات وجودي في انواكشوط، حتى لا يظنَّ أحد أنني أتشفَّى في المتهم، أو أنني أطعن بعيراً مُناخًا بأوزاره.

لم يعد يهمني ما نعت به عزيز نفسه من أوصاف ولا ما خلع على ذاته من ألقابٍ لم تصمد أمام أول امتحان للمرجعية والشعبية، ولم يعد يهمني تمسُّكه بالحصانة ونظافة اليد من أموال الخزينة العامة، وهو المُقرُّ –لاحقاً-بتَلَقِّي أموال طائلة من جهات خارجية، حسب ما نقل عنه أحد محاميه، وأكده أحد الشهود أمام المحكمة.

هذه أمور متروكة للقضاء يقول فيها كلمته الفصل، نيابة عن ملايين الموريتانيين الذين لا تزال مجلجلة في آذانهم تسجيلات (غانا غيتْ) وفيها يفاوض عزيز سمسارا للدولار المزور، ويُفقِّهُه في مَذاهب تبييض العملات.

خِلْتُ عزيز سيتجاوز عُقدة "رجل الأعمال المقيم في الخارج" التي يبدو أنها أصبحت متلازمة لديه عصية على العلاج، ومَوَّالاً لا يفتأ يردده بمناسبة وغير مناسبة، لكن عزيز مصرٌّ على مصارعة طواحين الهواء، وعلى احتقارنا جميعا رؤساء ومرؤوسين.

من قفص الاتهام، انبرى اليوم يردد سمفونية الإنجازات وكأنه تبرَّع بها من ماله الخاص، وهو الذي سجَّلَ في تصريح ممتلكاته لدى تسلُّمه السلطة أنه لا يملك إلا حفَّارة ومنزلا متواضعا ومنشأة بدائية للاستحمام، ثم ما لبث أن بدَّل كلامه وأقرَّ بالثراء الفاحش وبأنه لم ينفق أوقية واحدة من راتبه الرئاسي على مدى عقد من الزمن.

يمُنُّ علينا عزيز أنه – في عشر سنوات-أنشأ ميناءً وطريقا هنا، أو مطارا ومصحة هناك، أو محطة كهربائية وإنارة طرقية هنالك، وحين فتح المحققون أسفار الصفقات اكتشفنا أن عزيز كان مورِّدَ مَراسي الميناء، ومالك شاحنات ومدعِّمات الطريق، والشريك الأبرز – من وراء الستار-في بناء مدرجات المطار، وسمسار معدات المصحة، والمستفيد –خلسة-من مجانية الكهرباء في قصره الحجري المنيف، والمورِّد الخفيَ لمصابيح شاحبة لم تكن في زجاجة ولم توقَد من شجرة مباركة !!!

يحتقرنا عزيز بمبررات واهية لبيعه المدارس في سَنة التعليم واجتزاءه مساحات من مدرسة الشرطة والملعب الأولمبي وتحوُّله إلى سمسار عقارات ومؤجِّر مقرات للشركات والمستثمرين الأجانب، ثم لا يجد غضاضة في الزعم بأنه مستهدف لأنه سياسي ولأنه نادم على تسليم السلطة للرئيس محمد ولد الشيخ الغزواني على طبق من ذهب!!!

ومتى سلَّم عزيز السلطة للرئيس محمد ولد الشيخ الغزواني، وهو الذي وضع كل الدواليب في عجلة الانتخابات الرئاسية، واستولى على أموالها وتصرَّف فيها تصرُّف المالك في ملكه عبر وسطاء من محيطه الأقرب، وظل يحدث جلساءه بأن الرئيس المنتخب مجرد "كوَّام" من فئة "مدفديف" وأنه سيلْهو به، كما فعل مع آخرين، إلى غير ذاك من مفردات المعجم اللفظي لعزيز الذي يمكن وصفه بكل شيء إلا باللباقة والأدب والاعتراف بالجميل.

رحم الله الرئيس الهُمام، اعلي ولد محمد فال، فقد كان دقيقا في نعته لعزيز بالمتمرد.

من صفحة الإعلامي باباه سيد عبد الله