تحييد معالي الوزير: رسالة سياسية أم مجرد صدفة؟

أثار المرسوم الرئاسي الأخير القاضي بإجراء تعديل جزئي على الحكومة، انتقل بموجبه وزير الاقتصاد والمالية الى وزارة الزراعة والسيادة الغذائية تساؤلات مشروعة حول دلالة التوقيت، وما إذا كان تحييد الوزير جزءًا من تعديل وزاري كان مبرمج سلفًا، أم أنه يحمل أبعادًا سياسية ضمنية مرتبطة بمضمون التصريح.
جاء هذا الإجراء بعد أقل من 24 ساعة على تصريح أدلى به معالي الوزير حول عدم شرعية تملّك رجال الأعمال للبنوك.
الترابط الزمني بين التصريح والتحييد ترك انطباعا، ولو لم يكن دقيقا، قد يؤثر على ثقة العامة في مدى الصرامة والجدية في تطبيق الإصلاح، كما سيغذي تصوّرا مفاده أن حدود هذا الإصلاح مرهونة بعدم المساس بمصالح دوائر النفوذ، وترسيخ الاعتقاد بأن رجال الأعمال أصبحوا قادرين على التأثير في تعيينات وتغييرات المسؤولين.
في المقابل، من الوارد أيضا أن يكون الأمر إجراءً عاديا كان مبرمجا مسبقا ضمن التعديل الوزاري المنتظر منذ فترة، وبالتالي يكون ما حصل مجرد تزامن عفوي لا يحمل أي دلالات في هذا الصدد ولا رسائل كذلك. فالتعديلات الحكومية، كما هو معروف، تخضع لاعتبارات معقدة تشمل الكفاءة والتوازنات الداخلية وأولويات المرحلة...إلخ.
لكن بغض النظر عن الدافع الفعلي وراء ما حصل، فإن الرسالة التي وصلت إلى الرأي العام تستدعي التأكيد، من السلطات، بشكل لا لبس فيه أن مسار الإصلاح لا حدود له، وأن لا قطاعا محصناً من الإجراءات الإصلاحية أو لا تشمله رقابة القانون.
بخصوص ما ذهب إليه معالي الوزير، فهو يُعبّر عن حقيقة لا يمكن إنكارها، ويضع اليد على جوهر إصلاح القطاع المصرفي باعتباره محركًا أساسيًا للتنمية الاقتصادية.
فكما ذكر معالي الوزير، تقوم البنوك بدور الوسيط المالي الذي يربط بين المدخرات والاستثمار، ويوجه التمويل نحو القطاعات المنتجة بما يخدم التنمية الشاملة. غير أن هذا الدور الحيوي يتعرض للتشويه نتيجة لتداخل العمل المصرفي مع مصالح رجال الأعمال (الملاك) الذين يسيطرون على البنوك بشكل مباشر أو غير مباشر، مما يؤدي إلى تحوّلها من مؤسسات ذات نفع عام إلى صناديق تمويل شخصي بيد مجموعة محددة من رجال الأعمال.
فهذا التملك يفتح الباب واسعًا أمامهم لتسخير الموارد المالية للبنك (أموال المودعين) لتمويل شركاتهم وتجارتهم، في الوقت الذي يُحرم فيه باقي الفاعلين الاقتصاديين من فرص عادلة للحصول على التمويل.
الثابت، سواءً كان انتقال معالي الوزير بسبب هذا التصريح أو غيره، هو أن فصل ملكية البنوك عن نفوذ رجال الأعمال ضرورة لحماية الاقتصاد الوطني وضمان لتحقيق تكافؤ الفرص أمام الجميع للمشاركة الفعالة في الدورة الاقتصادية.
د. مولاي ولد أكيك