الاثنين
2024/05/6
آخر تحديث
الاثنين 6 مايو 2024

سنتان على حكم غزواني: هل كنا نحلم بإصلاح دون ثورة؟ وأي ثورة !!

4 أغشت 2021 الساعة 16 و30 دقيقة
سنتان على حكم غزواني: هل كنا نحلم بإصلاح دون ثورة؟ وأي (…)
طباعة

أمام المشهد الكالح، كان هذا هو السؤال الوحيد الوجيه الذي يدور في خاطر أي أحد يسعى أو يحلم أو يريد للبلد أن يمر بطريق أخرى أكثر أمانا بالنسبة للمستقبل. لم يكن غزواني المرشح الجديد للأغلبية ضمن دائرة التفكير بالنسبة لخلاص البلد من الرجوع القهقرى، لأن السؤال على نحو أكثر دقة يتعلق بالنظام العام وبقوة تحمل الدولة على مراكمة مزيد من الفشل بالنسبة للحكامة، وفي سياق أكثر صراحة وفي محاكمة للتاريخ يسوق الإنذار العميق، المرتبط بقدرة استمرار نفس النمط العام المتوارث في إدارة شؤون البلد من لدن نفس العقول أو ذات النخبة من 1957 إلى اليوم، شكوكا ضاربة في العمق عن مدى قدرة البنية العقلية للدولة - التي ظلت تُسير على نحو ما هذا "الانسجام " وتدورّه وتجدد له الفرص، الواحدة تلو الأخرى أمام الإنزلاقات – على الاستمرار في لعب نفس الوظائف؟!
نحن نتكلم عن تراكم فشل النظام العام والدولة العميقة.
فهل من المعقول طرح سؤال بهذا الحجم على مسافة سنتين من حكم غزواني؟ أي هل يمكن أن يكون هذا من الرهانات التي يتسنى كسبها خلال سنتين؟!!! وهنا نجدنا مضطرين لتقبل تساؤلات أخرى مملة لعلها ترشدنا لفهم أوسع للفروق بين ما هو كائن وما يجب أن يكون عليه الحال. ولا مندوحة من الاستفهام حول هل بإمكان غزواني، وهو مسمّر في عقر هذه الوضعية (أي لجة الفشل التراكمي)، أن يصنع دفة سحرية تحرك نفسها بالحلول!.
يُطرح نفس السؤال بصفة اعتيادية في ظروف مماثلة، ليس عندما تكون التوجهات المرسومة غير نهائية ويكون الإتجاه العام هو غياب الإنسجام في تحليل المآلات، بل عندما يفقد الناس البوصلة، وتكون العقول حائرة وتتطلع لاتجاه قوي يرمي لإعاقة الاتجاهات الرامية إلى فشل الدولة أو تمنع تقدمها، ويعيد بناء الوضع بطريقة قلب التفكير وهو الذي يطلق عليه في العلوم السياسية "الثورة" التي تعني قلب القواعد السارية والمجيء بأفضل منها، أو -في أحسن الحالات- أن يظل العقل قادرا على التنبؤ بالمآلات ،الأمر افتقدناه برهة من الزمن .
الاختلالات الكبيرة في البلد هي أساس سوء الوضع وعذاباته النفسية والمادية المبرحة، وهي المرتبطة بحالتين:
 سوء تسيير الفرص والحظوظ، فقد شابت الناس على نمط لا ينفك من الغبن حيث أن الأشخاص الذين يعملون بقدراتهم العضلية والذين يملكون مواهب وخبرات ومستويات تعليمية عالية لا يحصلون على الفرص المناسبة ولا على ضمان كبير لحياتهم المهنية في دولة تحتاج ذلك في معركة الوجود، بينما يتقلب الذين لا يملكون أيا من ذلك في الحظوظ (بمعنى الحظية)، والخلود في المراكز والمناصب العليا رغم الشهادات المتتالية بالإخفاق والفشل . إنها المعايير القوية لمراكمة الحظوظ المبنية على مبادئ وأهداف تخدم غايات ومقاصد لا علاقة لها بالنجاعة ولا بالمساواة أمام الفرص، بل علاقاتها بنظام المحسوبية والجهوية والرشوة وهي مناط الإختلال الأول
 أما الحالة الثانية، فهي أن الدولة تسير في غياب التعاليم المشتركة لدولة المواطنة وفي استمرار تربية الأجيال في نظام تربوي منفصل وغير موجه لخدمة الأهداف الوطنية الإستراتيجية بالنسبة للتعايش وللتنمية. ولهذا ظل الشعور المخيب للآمال بجدوائية صلاحية النظام هو المؤشر الكبير للتهديد، إذ لا يوجد انسجام ولا توافق في أي مرحلة ولا في أي صيغة من صيغ التسيير العام أو الحكم التي مر بها البلد على أنه يدخل في صناعة مشتركة لمستقبل البلد والأجيال .
كذلك فإن النفاذ للمراكز العليا والفهم الصحيح لتقلد المناصب الكبيرة أو الحساسة لا يرتبط بالشعور بروح الواجب ولا الانتماء للدولة، لأنها لا تدخل في جهود البناء وفق أهداف ورؤية تدرس في المدارس وتنفذ على الأرض وتخدم الجميع ويرضى بها كل فرد لنفسه ولأهله، بل لأنها تمنح في إطار التلوين والمحاصصة .
وهكذا لم تعد العناوين الكبيرة التي كانت فخر كل الموريتانيين وثقتهم في بلدهم ومستقبله، سواء على مستوى شعارات الدولة (شرف- إخاء- عدالة) أو بالنسبة للموارد، تعني أي شيء.
وهكذا أيضا ظل غياب نظام صارم وآلية شفافة تقوم على الأحقية والنجاعة في الولوج للخدمة العمومية ولتقلد المناصب التي تساهم في بناء الدولة أو السهر على أمنها وحوزتها، وغياب الإطار العام لتلك الوظائف والمهمات الذي هو خدمة الدولة والمجتمع واستبدال ذلك بالمعايير القبلية والنفاق السياسي، ظل إّن يدفع الناس إلى التعبير عن أنها لا تشعر بأي ارتياح لأي نظام ولا شخص من نفس الأرومة التي تحكم منذ الاستقلال يمكن الركون إلى قدرته في الإصلاح وجعل مشاعر عدم الولاء اتجاه الدولة مبررة، فكانت كلمة الوزير الحالي، كنْ عثمان، في ندوة للأطر (فبراير 2019 ) تعبيرا عميقا عن الشعور المر الذي ينتابه وأمثاله في الإنتماء لهذا الوطن الذي لا يبحثون فيه عن الجنسية فقط، لكن عن القواسم المشتركة وعن الروح التي تحمل الفرد على التضحية والقبول بأي وضع (ضعف الراتب، ضعف الخدمات) قد يعيشه في سبيل خدمة وطنه، لأن الأمور موجهة في مصلحة عامة وليست مصالح فردية أو قبلية. وهكذا تكون العودة لهذا الشعور هي رهان غزواني الأول وليس ترقيع الأوضاع الاقتصادية والسياسية -فمن المهم هنا التوجه للوزير الأول محمد ولد بلال وعلينا أن نتأكد قبل ذلك هل هو فعّال.
وهذا يقود لسؤال وجيه: هل يفرّق غزواني بين المطلوب منه تاريخيا والمطلوب منه سياسيا؟ وهذا هو الأساس المرجعي الثاني لتقييمه. أما الأساس المرجعي الأول فهو معنى النجاح بالنسبة له الذي هو ما انتدب نفسه لتحقيقه، وليس وفق طموح وأحلام الآخرين، وهذا أمر -لكي لا نظلم- يجب تذكره باستمرار .
ليس كبيرا القول إن وضع غزواني مختلف بالنسبة لأي رئيس سابق بالنسبة لحجم الرهانات والتحديات، بحيث كان ترشحه على رأس نظام منهار واحدا من أكبر المآزق التي قد يصادفها في حياته، وربما لو كان مطلعا على حقيقة الوضعية كما وجدها لكان ذلك من منظوره مجازفة. لقد كان الوطن مزرعة فيل هائج لا يوجد أي شيء فيها يقف على سيقانه. لقد تعرض البلد للفساد التدميري. أنا متيقن من أن الكل يعرف أننا لا نبالغ، فقد تمت تصفية خمس مؤسسات كانت شاهدة على الفساد، لكن كان من أهمها سونمكس التي كانت وسيلة البلد الوحيدة لمواجهة الإحتكار وتقلبات الأسعار، وشركة صيانة الطرقات التي كانت تحافظ على استمرار فاعلية 50% من الطرق، كما تم تبديد ثروة السمك لشعب تهدده المجاعة، وأيضا تم تبديد مداخيل حصلت للمرة الأولى في تاريخ البلد وكانت سببا في زيادة نسبة النمو المرتبطة بأسعار المعادن حيث بُددت في صفقات خاسرة، وتم الضغط على ذمة الدولة المالية وقدرة تحملها الاقتصادي إلى أن وصلت 5 ملبار دولار. ليس هذا هو الجانب السيء من جردة الحساب، بل هو تدمير الشعور الوطني وتدمير المصادر البشرية وهدم الإدارة والقضاء والأمن وتعميق الانقسامات والتوترات الاجتماعية. كان كل شيء قاتما حتي نهار الغد. لم يكن غزواني محظوظا أيضا عندما واجه الجائحة 6 أشهر بعد تسلمه للمقبرة، فقط 21 مليار أوقية هي كل ما في حساب الخزينة، ومجتمع منقسم، وولد عبد العزيز يروج في الخلف أنه هو الحاكم. لقد كان بساط غزواني عبارة عن مشتلة إزعاج، ومن بين كل من يعمل معهم، باستثناء شخص واحد في الرئاسة (مدير الديوان وثلاثة أشخاص في الحكومة واثنين من العسكريين) كان يحوز النزر القليل من الولاء، عليه أن يكون عبقريا أو يلوذ بالفرار قبل تسليم المفاتيح. لقد كان وضعا لا يطاق، ومع ذلك استطاع أن يقلّب كل شيء خلال سنته الأولى، وأترك لكم المضاهاة والحكم.
وهروبا من الإطالة والتكرار، أحيلكم لمقالات الوزراء بمناسبة مرور سنتين على حكم غزواني .
محمد محمود ولد بكار